يُعد التحكيم التجاري في السعودية أحد أبرز الوسائل البديلة لفض المنازعات التي شهدت تطورًا تشريعيًا وتنظيميًا كبيرًا في السنوات الأخيرة، يمثل التحكيم التجاري آلية مرنة وفعالة لفض النزاعات التجارية، وهو ما دفع المملكة إلى إنشاء مؤسسات تحكيمية متقدمة، مثل المركز السعودي للتحكيم التجاري (SCCA)، وتعزيز ثقافة التحكيم بين رجال الأعمال والمحامين والهيئات القضائية.
في هذا المقال نُقدم دليلاً شاملًا يغطي الجوانب النظامية والعملية المتعلقة بالتحكيم التجاري في السعودية، بدءًا من تعريفه، و إجراءاته، وشروطه النظامية وصولًا إلى تنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية، واختيار المحكمين والمحامين .
ما هو التحكيم التجاري في السعودية وكيف يختلف عن القضاء؟
التحكيم التجارية في السعودية هو اتفاق بين طرفين أو أكثر لإحالة نزاع قائم أو محتمل إلى هيئة تحكيم مستقلة للفصل فيه، بدلًا من رفعه أمام المحكمة
وفي السياق التجاري، غالبًا ما يتعلق النزاع بعقود تجارية مثل الإنشاءات، التوريد، الامتياز، والشراكات ، وإليك أبرز الاختلافات بين التحكيم والقضاء
- التحكيم إرادي وليس إلزاميًا.
- السرية محفوظة، على عكس المحاكم العلنية.
- سرعة الإجراءات (يمكن إنهاء النزاع خلال 6 إلى 12 شهرًا).
- المرونة في تعيين المحكمين واختيار النظام المطبق.
إقرأ أيضا إليك ٩ من أهم إجراءات التحكيم في النظام السعودي خطوة بخطوة
نظام التحكم التجاري في السعودية
يستند التحكيم التجاري في السعودية إلى نظام التحكيم السعودي الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/34) بتاريخ 24/5/1433هـ، وهو النظام الذي حل محل النظام السابق لعام 1403هـ، وجاء متوافقًا بدرجة كبيرة مع قواعد الأونسيترال النموذجية التي أقرتها الأمم المتحدة، بما يجعله أحد أكثر الأنظمة مرونة وحداثة في المنطقة.
يتكون النظام من 58 مادة، وينظم كافة مراحل التحكيم بدءًا من الاتفاق عليه، مرورًا بتشكيل هيئة التحكيم، وحتى إصدار الحكم وتنفيذه.
شروط صحة اتفاق التحكيم التجاري في السعودية

وفقًا لنظام التحكيم السعودي يشترط لصحة اتفاق التحكيم التجاري في السعودية ما يلي:
- أن يكون مكتوبًا:
يجب أن يكون الاتفاق موثقًا بأي وسيلة كتابية معتمدة، بما في ذلك الخطابات، الرسائل الإلكترونية، أو حتى الإحالة إلى وثيقة تحتوي على شرط التحكيم في العقد الرئيسي.
مثال على صياغة شرط تحكيم صحيح:
> “جميع النزاعات التي تنشأ عن هذا العقد أو تتعلق به، بما في ذلك تفسيره وتنفيذه، تُحال إلى التحكيم وفقًا لنظام التحكيم السعودي، ويتم الفصل فيها نهائيًا من قبل هيئة تحكيم تُشكّل عن طريق المركز السعودي للتحكيم التجاري.”
- أهلية الطرفين:
يشترط أن يكون كل من أطراف الاتفاق متمتعًا بالأهلية النظامية للتصرف، أي أن يكون راشدًا وعاقلًا ومخولًا بإبرام العقود. أما في حالة الجهات الاعتبارية (شركات، مؤسسات)، فيجب أن يكون الموقّع ممثلًا نظاميًا مفوضًا.
- مشروعية موضوع النزاع:
يجب أن يكون النزاع مما يجوز التحكيم فيه شرعًا ونظامًا، أي لا يخالف النظام العام أو أحكام الشريعة الإسلامية. وتحظر بعض القضايا من التحكيم مثل الأحوال الشخصية والقضايا الجنائية والمسائل السيادية.
- وضوح الإرادة باللجوء إلى التحكيم:
يجب أن يكون هناك اتفاق صريح وواضح على اللجوء إلى التحكيم، دون غموض أو اشتراطات تفسد نية اللجوء إليه.
- عدم مخالفة النظام العام:
لا يجوز أن يتضمن الاتفاق شروطًا تخالف أحكام النظام العام السعودي أو الشريعة الإسلامية، مثل حرمان أحد الأطراف من حقه في الدفاع أو المساواة أمام هيئة التحكيم.
خطوات وإجراءات التحكيم التجاري في السعودية
تمر عملية التحكيم التجاري في السعودية بعدة مراحل رئيسية، وهي كالتالي:
- إيداع طلب التحكيم لدى المركز أو مباشرة مع الطرف الآخر.
- تشكيل هيئة التحكيم: محكم فرد أو ثلاثة محكمين حسب الاتفاق.
- جلسات الإجراءات الأولية لتحديد نطاق النزاع.
- المرافعات الخطية والشفوية: تبادل المذكرات وتقديم الأدلة.
- المداولة وإصدار الحكم خلال مدة أقصاها 12 شهرًا.
- تنفيذ الحكم لدى المحكمة المختصة بعد ختمه بصيغة التنفيذ.
المركز السعودي للتحكيم التجاري (SCCA): دوره وأهميته
يُعد المركز السعودي للتحكيم التجاري (SCCA) الجهة الرسمية المتخصصة في تقديم خدمات التحكيم والوساطة المؤسسية في المملكة وفقًا لأعلى المعايير الدولية. وقد تم تأسيسه في عام ٢٠١٤ بهدف تعزيز بيئة الأعمال ودعم الثقة في الاستثمار داخل المملكة ، وإليك أبرز الخدمات التي يقدمها المركز:
- التحكيم المؤسسي:
يدير المركز النزاعات التجارية وفق قواعد SCCA للتحكيم، التي تضمن العدالة، السرعة، وتكلفة معقولة.
- الوساطة التجارية:
يقدم حلولًا بديلة لحل النزاعات من خلال وسطاء معتمدين بهدف الوصول إلى تسوية ودية.
- التحكيم عبر الإنترنت:
يوفر المنصة الإلكترونية SCCA Case Platform لإدارة القضايا عن بُعد بشكل آمن وسلس ، وإليك رابط مباشر للموقع الرسمي
- التدريب والاعتماد:
ينظم المركز برامج تأهيلية متخصصة في التحكيم والوساطة، ويصدر رخص المحكم المعتمد.
القيود والاستثناءات على اللجوء إلى التحكيم
ليس كل نزاع يصلح للتحكيم. ومن أبرز القيود:
- النزاعات الجنائية والأحوال الشخصية.
- المسائل التي تمس النظام العام أو الشريعة.
- النزاعات التي يحظر النظام تحكيمها (مثل بعض القضايا العقارية أو الحكومية).
- في العقود التي تبرمها الجهات الحكومية، يجب الحصول على موافقة رئيس مجلس الوزراء قبل إدراج بند تحكيم.
تنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية في السعودية
السعودية منضمة إلى اتفاقية نيويورك 1958، مما يتيح تنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية بشروط منها:
- أن يكون الحكم نهائيًا.
- أن يكون صادرًا عن جهة مختصة.
- أن لا يتعارض الحكم مع الشريعة الإسلامية أو النظام العام.
- تقديم الترجمة الرسمية للحكم (إذا كان بلغة أجنبية).
يُرفع طلب التنفيذ أمام محكمة التنفيذ مرفقًا بنسخة أصلية أو مصدقة من الحكم.
قد يهمك الإطلاع على أهمية حماية المستهلك في السعودية وطرق التخلص والتبليغ عن الغش التجاري
الفرق بين التحكيم المحلي والدولي في السعودية

يفرّق نظام التحكيم السعودي في المادة رقم (٣) بين التحكيم المحلي والتحكيم الدولي بناءً على معيار مكان إجراء التحكيم أو أطرافه أو موضوع النزاع،
أولاً: التحكيم المحلي
هو التحكيم الذي يتم داخل المملكة العربية السعودية بين أطراف تتمتع بجنسية سعودية، أو بين كيانات مقيمة في السعودية دون وجود عنصر دولي في النزاع ، ومن أبرز سماته:
- يُطبق عليه نظام التحكيم السعودي بالكامل.
- يخضع لأحكام الشريعة الإسلامية والأنظمة السعودية.
- يتم تنفيذ حكم التحكيم أمام المحاكم السعودية بمجرد استيفاء الشروط النظامية.
ثانيًا: التحكيم الدولي
يعرفه النظام في المادة (3) على أنه التحكيم المختص بأمور التجارة الدولية في الأحوال الآتية:
- إذا كان أحد أطراف التحكيم، وقت إبرام اتفاق التحكيم، مقيمًا في بلد أجنبي.
- إذا كان مكان التحكيم أو أي مكان ذي صلة به خارج المملكة.
- إذا اتفق الطرفان صراحة على أن موضوع اتفاق التحكيم له صلة بأكثر من دولة.”
ومن أبرز سمات التحكيم الدولي :
- قد يُجرى داخل أو خارج المملكة، لكن بوجود عنصر أجنبي في الأطراف أو مكان التحكيم أو العلاقة القانونية.
- يمكن أن يطبق عليه قانون غير سعودي إذا اتفق الطرفان على ذلك.
- المركز السعودي للتحكيم التجاري (SCCA) يوفر آلية متكاملة للتحكيم الدولي داخل المملكة وفق معايير عالمية.
- تُقبل أحكام التحكيم الدولية للتنفيذ في السعودية وفق شروط اتفاقية نيويورك لعام 1958، التي انضمت إليها المملكة.
أفضل محامي تحكيم تجاري في السعودية
اختيار المحامي المناسب يؤثر على سير ونتيجة التحكيم ولكي تقوم باختيار محامي تحكيم تجاري محترف في السعودية ، إليك هذه النصائح:
- أن يكون لديه خبرة عملية في التحكيم.
- أن يكون معتمدًا لدى المركز السعودي أو جهات دولية.
- إلمامه بالأنظمة المحلية والدولية ذات الصلة.
- قدرته على التفاوض وإدارة النزاعات خارج المحاكم.
الجدير بالذكر قيام بعض مكاتب المحاماة بتقديم خدمات تحكيمية متكاملة تشمل صياغة العقود وبنود التحكيم.
في الختام:
يمثل التحكيم التجاري في السعودية خيارًا استراتيجيًا لتسوية النزاعات التجارية بمرونة وسرعة، ويُعد فهم جوانبه النظامية عنصرًا أساسيًا لأي جهة تجارية تسعى لحلول عادلة وفعالة خارج نطاق القضاء التقليدي.
تناول هذا المقال جوانب التحكيم التجاري في السعودية بشكل شامل، موضحًا مفهومه واختلافه عن القضاء، وأسس نظام التحكيم السعودي، وشروط صحة اتفاق التحكيم، إلى جانب خطوات وإجراءات التحكيم، ودور المركز السعودي للتحكيم التجاري (SCCA). كما تطرقنا إلى القيود والاستثناءات النظامية، وآلية تنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية، والفرق بين التحكيم المحلي والدولي، وأهمية اختيار محامٍ متخصص في التحكيم التجاري لضمان سير الإجراءات بكفاءة وحفظ الحقوق.
لا توجد تعليقات