التعزير في النظام السعودي

التعزير في النظام السعودي


يُعدّ التعزير في النظام السعودي من أبرز الوسائل التأديبية التي تهدف إلى حفظ النظام العام وتحقيق الردع العام والخاص، حيث يُطبق التعزير على الجرائم التي لا تُحدد لها عقوبات مقدرة في الشريعة الإسلامية، مما يمنح القاضي سلطة تقديرية في تحديد نوع العقوبة ومقدارها، وفقًا لمقتضيات الجريمة وظروفها. 

يتناول هذا المقال مفهوم التعزير، موضحًا أنواعه، والفرق بينه وبين الحدود، ودور القاضي في تقدير العقوبة، بالإضافة إلى استعراض الجرائم التي يُطبق عليها التعزير، وإمكانية العفو في قضايا التعزير، والتعزير في الحق العام والحق الخاص والعقوبات التعزيرية البديلة. 

ما هو التعزير في النظام السعودي؟ 

التعزير في النظام السعودي هو عقوبة غير مقدرة شرعًا، تُفرض على الجرائم التي لا تُحدد لها عقوبات معينة في الشريعة الإسلامية ولذلك يُمنح القاضي سلطة تقديرية في تحديد نوع العقوبة ومقدارها، بما يحقق الردع والإصلاح. 

 تكمن أهمية التعزير في مرونته، حيث يُمكن تكييفه وفقًا لظروف الجريمة والجاني، مما يُسهم في تحقيق العدالة والردع العام والخاص. 

أنواع العقوبات التعزيرية في السعودية

تتنوع عقوبات التعزير في النظام السعودي وتشمل: 

  •  التوبيخ والوعظ:

يُعد من أبسط أنواع العقوبات التعزيرية و يُستخدم عادةً في الحالات البسيطة أو المخالفات غير الجسيمة والهدف منه إصلاح الجاني وتذكيره بخطورة الفعل دون الحاجة إلى عقوبة مادية أو بدنية.

  • الغرامة المالية:

تُستخدم في الجرائم التي لا تستدعي الحبس أو العقوبات البدنية وتختلف قيمتها بحسب تقدير المحكمة وظروف الجريمة 

  • السجن:

من أكثر العقوبات شيوعًا في الجرائم التعزيرية ويُستخدم لعزل الجاني عن المجتمع لفترة محددة وتتراوح مدة السجن بحسب خطورة الفعل، وتقدير القاضي.

  • الجلد:

يُطبق الجلد كعقوبة تعزيرية في بعض الحالات، مع مراعاة الضوابط الشرعية والطبية ويُحدد عدد الجلدات وفقًا لتقدير المحكمة، بحيث لا تتجاوز 99 جلدة غالبًا.

> تنويه: أُقرّ إلغاء عقوبة الجلد التعزيرية في بعض الحالات، واستُبدلت بعقوبات بديلة مثل السجن أو الغرامة أو الخدمة المجتمعية، وذلك بناءً على توجيه المحكمة العليا رقم (40/م) الصادر بتاريخ 24/6/1441هـ.

  •  الإبعاد (للوافدين):

يُطبق على غير السعوديين الذين يرتكبون جرائم تعزيرية وقد يكون الإبعاد نهائيًا أو مؤقتًا بعد تنفيذ العقوبة ويُستخدم خصوصًا في قضايا الآداب، المخدرات، أو المساس بالنظام العام.

  • التشهير:

يُطبق في الجرائم التي تضر بالمصلحة العامة، مثل الغش التجاري أو مخالفات أنظمة العمل وقد يشمل نشر اسم الجاني، وصورته، ومخالفته في وسائل الإعلام أو الصحف الرسمية وتُصدر المحكمة قرارًا بالتشهير وفق شروط وضوابط محددة.

  •  إغلاق المحل أو النشاط التجاري:

يُستخدم في قضايا الغش، التستر التجاري، أو المخالفات البيئية.

  •  مصادرة الأموال أو الأدوات المستخدمة في الجريمة:

مثل مصادرة أجهزة إلكترونية في جرائم معلوماتية، أو مصادرة مركبات التهريب.

  •  التحفظ على الأموال أو تجميد الحسابات:

يُستخدم في جرائم غسل الأموال أو الاحتيال المالي، وغالبًا يكون مصاحبًا للعقوبات الأصلية.

  • القتل تعزيرًا:

يُعد أقصى درجات العقوبة التعزيرية، ويُطبق في الجرائم الجسيمة التي تُهدد أمن الدولة أو المجتمع مثل جرائم تهريب المخدرات، الإرهاب، أو زعزعة النظام العام ويتم إصدار الحكم بالقتل تعزيرًا بناءً على أدلة قوية وبعد مصادقة المحكمة العليا.

إطلع أيضا على عقوبة الجرائم الإلكترونية في السعودية

التعزير في الحق الخاص: كيف يختلف عن الحق العام؟

التعزير في الحق الخاص كيف يختلف عن الحق العام؟
التعزير في الحق الخاص كيف يختلف عن الحق العام؟

ينقسم التعزير في النظام السعودي إلى نوعين: 

  • التعزير في الحق العام: 

يُطبق على الجرائم التي تُهدد المصلحة العامة، ويُطالب به الادعاء العام.

  • التعزير في الحق الخاص: 

يُطبق على الجرائم التي تُلحق ضررًا بفرد معين، ويُطالب به المجني عليه أو ورثته. 

يُتيح النظام للمجني عليه في الحق الخاص التنازل عن حقه، مما قد يؤدي إلى سقوط العقوبة، بينما لا يُمكن التنازل عن الحق العام. 

جرائم التعزير في النظام السعودي

تشمل جرائم التعزير في النظام السعودي مجموعة واسعة من الأفعال التي لا تُحدد لها عقوبات مقدرة شرعًا، ومن أبرزها: 

  •  جرائم التزوير

تُعد من الجرائم التعزيرية الخطيرة لما تُسببه من إخلال بالثقة العامة والمعاملات الرسمية. نص نظام التزوير في المادة (6) على أن من “زوّر أو حرّف أي محرر رسمي يعاقب بالسجن من سنة إلى خمس سنوات”، 

وهي عقوبة تعزيرية تختلف حسب طبيعة التزوير (محررات رسمية، أوراق تجارية، أختام، إلخ). وتُترك للقاضي سلطة تقدير شدة العقوبة وفق حجم الضرر.

  •  جرائم الرشوة

نص نظام مكافحة الرشوة في المادة (15) على أنه: “يجوز الحكم بمصادرة المال محل الجريمة، والمنع من تولي الوظائف العامة”، بالإضافة إلى السجن والغرامة المنصوص عليها في مواد سابقة. وتُعامل الرشوة كجريمة تعزيرية تُراعي فيها المحكمة أركان الجريمة، صفة الجاني، والضرر الناشئ عنها.

  • المخدرات:

 يُطبق التعزير على جرائم تعاطي وترويج المخدرات، وقد تصل العقوبة إلى القتل تعزيرًا في بعض الحالات، وعلى سبيل المثال فأن عقوبة حيازة المخدرات بغرض التعاطي هي السجن لمدة تتراوح بين ستة أشهر بحد أدنى وسنتين بحد أقصى حسب نص المادة (٤١) من نظام مكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية 

ويختلف تقدير المحكمة لمدة العقوبة وفقًا لأمور عديدة  ، فإذا كانت المرة الأولى للمتهم وكمية الحيازة ليست كبيرة تراعى المحكمة ذلك 

  • الجرائم المعلوماتية:

 أوضحت  المادة  رقم (6) من نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية عقوبة إنتاج أو إعداد أو نشر ما يمس النظام العام بالسجن مدة تصل إلى خمس سنوات وغرامة تصل إلى ثلاثة ملايين ريال ، كما نص النظام على العديد من العقوبات التعزيرية في المواد من (٣)إلى(١٠)

  • جرائم الغش التجاري:

حيث تنص المواد من (١٦) إلى (٢١)  من نظام مكافحة الغش التجاري على عقوبات تعزيرية تشمل الغرامة، السجن، ومصادرة السلع المغشوشة.

  • جرائم التحرش

 كما ورد في المادة (٦) من نظام مكافحة جريمة التحرش التي تفرض عقوبات تعزيرية تصل إلى السجن والغرامة، مع إمكانية التشهير حال التكرار.

  • جرائم التعدي على الآخرين دون التسبب في جروح أو قتل:

حيث يُعاقب الجاني تعزيرًا بالتوبيخ أو الغرامة أو الحبس، وفقًا لتقدير المحكمة. 

إطلع أيضا على جرائم الاعتداء على الأموال العامة

دور القاضي في تقدير عقوبة التعزير

يُمنح القاضي في النظام السعودي سلطة تقديرية في تحديد العقوبة التعزيرية المناسبة، مع مراعاة عدة عوامل، منها: 

  • خطورة الجريمة:

 كلما زادت خطورة الجريمة، زادت شدة العقوبة.

  • ظروف الجاني: 

مثل السن، والسوابق، والنية.

  • الضرر الناتج:

 يُؤخذ في الاعتبار حجم الضرر الذي لحق بالمجني عليه أو بالمجتمع. 

ويُشترط أن تكون عقوبة التعزير في النظام السعودي متناسبة مع الجريمة، وألا تتجاوز الحدود الشرعية. 

هل يجوز العفو في قضايا التعزير؟

نعم، يُمكن العفو في قضايا التعزير في بعض الحالات، وفقًا للنظام السعودي: 

  • في الحق الخاص:

 يُتاح للمجني عليه أو ورثته التنازل عن حقهم، مما يؤدي إلى سقوط العقوبة.

  • في الحق العام:

 يُمنح ولي الأمر سلطة العفو في بعض الحالات، وفقًا للمصلحة العامة. 

يُراعى في العفو تحقيق العدالة وعدم الإضرار بالمصلحة العامة. 

الفرق بين التعزير والحدود في الشريعة والنظام السعودي

يُميز النظام السعودي بين التعزير والحدود في عدة جوانب: 

  • التحديد:

 الحدود لها عقوبات مقدرة شرعًا، بينما التعزير يُترك لتقدير القاضي.

  • الدرء بالشبهة:

 الحدود تُدرأ بالشبهات، بينما يُمكن تطبيق التعزير حتى في حالات الشبهة.

  • التنازل:

 لا يُمكن التنازل عن الحدود، بينما يُمكن التنازل عن التعزير في الحق الخاص. 

  • الغرض:

يُهدف التعزير إلى تحقيق الردع والإصلاح، بينما تهدف الحدود إلى تحقيق العدالة الشرعية. 

تعرف على الفرق بين الإبعاد والترحيل في المملكة العربية السعودية

العقوبات التعزيرية البديلة في السعودية

العقوبات التعزيرية البديلة في السعودية
العقوبات التعزيرية البديلة في السعودية

يسعى النظام السعودي إلى تطبيق العقوبات التعزيرية البديلة، التي تهدف إلى إصلاح الجاني وتقليل الأضرار الاجتماعية، وتشمل: 

  • الخدمة المجتمعية

إلزام الجاني بأداء أعمال تخدم المجتمع.

  • الدورات التأهيلية:

 إلزام الجاني بحضور دورات تهدف إلى إصلاح سلوكه.

  • الرقابة القضائية:

إلزام الجاني بالخضوع لبرنامج إشراف ومراقبة لضمان التزامه وعدم تكرار الجريمة 

  • الحرمان من بعض الحقوق:

مثل المنع من مزاولة مهنة، أو الإيقاف المؤقت عن عمل أو نشاط تجاري ويُطبق في القضايا التي تتعلق بالأمانة، الغش التجاري، التزوير، أو الخيانة الوظيفية.

تُطبق هذه العقوبات وفقًا لتقدير القاضي، وبما يتناسب مع الجريمة وظروف الجاني. 


يُعد التعزير في النظام السعودي أداة فعالة لتحقيق العدالة والردع،  مع مراعاة مصلحة المجتمع وحقوق الأفراد. ونظرًا لتنوع العقوبات التعزيرية ومرونتها، أصبح بالإمكان التصدي للجرائم التي لا تشملها العقوبات المقدّرة، مما يعزز من الأمن المجتمعي ويكرّس مبدأ سيادة النظام. وقد تناول المقال شرحًا وافيًا لمفهوم التعزير في النظام السعودي، واستعرض أنواعه، والجرائم التي يُطبق فيها، ودور القاضي في تقدير العقوبة، مع الإشارة إلى إمكانات العفو، والتمييز بين الحق العام والخاص، وبيان الفرق بين التعزير والحدود.

من خلال هذا العرض، تتضح الأهمية البالغة للعقوبات التعزيرية كأداة مرنة تخدم هدف الإصلاح والردع، وتحافظ على التوازن بين العدالة والرحمة، وتؤكد على الدور الريادي للنظام السعودي في تطوير تشريعاته بما يتماشى مع أحكام الشريعة ومقتضيات العصر.


الأسئلة الشائعة

  1. هل يمكن للعفو الملكي أن يشمل عقوبات التعزير؟

    نعم، في بعض الحالات يمكن للعفو الملكي أن يشمل العقوبات التعزيرية، خاصة في الحق العام، وفق ضوابط محددة.

  2. ما الفرق بين الحد والتعزير في العقوبات؟

    الحد له عقوبة محددة شرعًا لا تقبل التغيير، أما التعزير فهو عقوبة تقديرية يحددها القاضي.

  3. هل يشترط وجود ضرر لتطبيق عقوبة تعزيرية؟

    ليس بالضرورة، فقد تُطبق عقوبة تعزيرية حتى في حال عدم تحقق ضرر مادي، إذا كان الفعل مخالفًا للنظام أو يخل بالآداب العامة.

5/5 - (4 أصوات)

لا توجد تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *