حقوق المتهم في النظام السعودي: ضمانات العدالة والكرامة الإنسانية

حقوق المتهم في النظام السعودي تُعد من الركائز الأساسية التي يقوم عليها نظام العدالة الجنائية في المملكة. فمنذ إقرار النظام الأساسي للحكم، تم التأكيد على كرامة الإنسان وحقوقه، بما في ذلك حقوق المتهم أثناء جميع مراحل الإجراءات الجزائية. وقد جاء نظام الإجراءات الجزائية ليُفصّل هذه الحقوق ويُحدد الضمانات التي تكفل تحقيق العدالة، مع الالتزام بمبادئ الشريعة الإسلامية، التي تؤكد على العدل والمساواة والحرية الإنسانية.

 في هذا المقال، سنتناول بالتفصيل حقوق المتهم في المملكة  مستعرضين الضمانات التي يُقرّها النظام في مراحل القبض، التحقيق، المحاكمة، وما بعد الحكم. كما سنُسلّط الضوء على الحقوق الخاصة بفئات معينة من المتهمين، وأهمية تعزيز الوعي بهذه الحقوق في المجتمع.

الإطار العام لحقوق المتهم في النظام السعودي

تستند حقوق المتهم في النظام السعودي إلى مبادئ الشريعة الإسلامية التي تُعلي من كرامة الإنسان وتفترض براءته حتى تثبت إدانته. وقد نص النظام الأساسي للحكم في المادة (26) على أن “تحمي الدولة حقوق الإنسان، وفق الشريعة الإسلامية”، ما يعزز الالتزام الرسمي بتوفير ضمانات العدالة بدءًا من لحظة الاشتباه وحتى إصدار الحكم النهائي.

قرينة البراءة في النظام السعودي

تُعتبر قرينة البراءة من المبادئ الجوهرية، حيث تنص المادة (3) من نظام الإجراءات الجزائية على أنه لا يُعاقب أي شخص إلا بعد إدانته في محاكمة تُجرى وفقًا للمقتضى الشرعي و يُعد هذا المبدأ الضامن الأول لحقوق المتهم في النظام السعودي ويُلزم بعدم التسرع في توجيه الاتهامات دون أدلة واضحة.

 حقوق المتهم عند القبض والتفتيش

يُشترط في عمليات القبض والتفتيش وجود أمر رسمي، كما تنص المادة رقم  (2) من نظام الإجراءات الجزائية على أنه لا يجوز القبض أو تفتيش أي شخص إلا وفق أحكام النظام. ويجب على الجهات المختصة إبلاغ المتهم بسبب القبض عليه، كما تُمنع تمامًا أي إساءة جسدية أو معنوية له.

 حقوق المتهم أثناء التوقيف والتحقيق

نص نظام الإجراءات الجزائية بوضوح على حقوق المتهم في هذه المرحلة، تعزيزًا لمبدأ العدالة ومنعًا لأي تعسف في استخدام السلطة 

الحق في عدم القبض أو التوقيف أو السجن إلا في الأحوال المنصوص عليها نظامًا

 تنص المادة  رقم (2) من نظام الإجراءات الجزائية على أنه لا يجوز القبض على أي إنسان، أو تفتيشه، أو توقيفه، أو سجنه، إلا في الأحوال المنصوص عليها نظامًا، ولا يكون التوقيف أو السجن إلا في الأماكن المخصصة لكل منهما وللمدة التي تحددها السلطة المختصة. 

تعرف أيضا على كيف يتم رفع دعوى جريمة الكترونية؟

حظر إيذاء المقبوض عليه جسديًا أو معنويًا

 تُحظر المادة (2) أيضًا إيذاء المقبوض عليه جسديًا أو معنويًا، وكذلك تعريضه للتعذيب أو المعاملة المهينة للكرامة. 

حق المتهم في الإفراج المؤقت

تنص المادة  رقم (120) من نظام الإجراءات الجزائية نفسه على أن للمحقق المختص صلاحية الإفراج عن المتهم في أي وقت، سواء بمبادرة منه أو بناءً على طلب المتهم، متى تبيّن أن استمرار التوقيف لا مبرر له، ولا يشكّل خطورة على سير التحقيق، ولا يُتوقع من المتهم الهرب أو الاختفاء، وذلك بشرط تعهده بالحضور متى طُلب منه ذلك

حق المتهم في معرفة أسباب التوقيف

 وفقًا للمادة رقم (١١٦) من نظام الإجراءات الجزائية يجب إبلاغ المتهم بأسباب توقيفه والتهم الموجهة إليه، لضمان حقه في الدفاع عن نفسه. 

من المهم الإطلاع على مدة توقيف المتهم في النيابة العامة في السعودية

حق المتهم في توكيل محامٍ

وففًا للمادة رقم(٤) والمادة رقم (٧٠) من نظام الإجراءات الجزائية يحق للمتهم توكيل محامٍ في أي مرحلة من مراحل الدعوى، كما تلتزم الجهات المعنية بتسهيل وصول المحامي إلى موكله، وتمكينه من الاطلاع على أوراق القضية دون إعاقة.

حق المتهم محاكمة عادلة وعلنية

يُلزم نظام الإجراءات الجزائية في المادة رقم (١٥٥) المحاكم بعقد الجلسات بصورة علنية، إلا أن النظام أجاز للمحكمة تقييد هذا الحق في حالات استثنائية تحكمها اعتبارات تتعلق بالنظام العام أو الخصوصية أو الآداب العامة .

حق الصمت وعدم إجبار المتهم على تقديم أدلة ضد نفسه

يضمن النظام للمتهم الحق في التزام الصمت أثناء التحقيق، كما يحظر استخدام أي وسيلة من وسائل الإكراه أو التعذيب لانتزاع اعترافات، ويُبطل الاعتراف المنتزع بوسائل غير مشروعة، وفقًا للمادة (102) من نظام الإجراءات الجزائية 

الطعن في الأحكام والضمانات بعد صدور الحكم

يحق للمتهم الاعتراض على الأحكام عبر الاستئناف أو النقض، ويُمنح الفرصة لتقديم طلب إعادة النظر في بعض الحالات و تُعتبر هذه الآليات من أقوى الضمانات لاستكمال العدالة ومراجعة الأخطاء الإجرائية أو الموضوعية.

الحقوق الخاصة بفئات محددة من المتهمين

هناك مجموعة إضافية من حقوق المتهم في النظام السعودي تُمنح لفئات معينة من المتهمين، مراعاةً لظروفهم أو أوضاعهم الخاصة، ومن أبرز هذه الفئات:

•  القُصَّر (من هم دون سن 18)

يتم التحقيق مع القاصر بحضور وليه أو من ينوب عنه، ويُراعى في إجراءات التوقيف والمحاكمة الجوانب التربوية والاجتماعية، ويُمنع وضعهم مع البالغين في أماكن التوقيف أو السجون.

• النساء:

لا يجوز توقيف المرأة إلا في مكان مخصص للنساء، وتُعامل بما يحفظ كرامتها ويتم استدعاؤها والتحقيق معها من قبل محققة متى أمكن ذلك، ولا يجوز تفتيشها إلا من قبل امرأة.

•  ذوو الإعاقة:

يتم توفير التيسيرات المناسبة لهم أثناء التوقيف والتحقيق والمحاكمة، بما يشمل وجود مترجمين بلغة الإشارة أو مرافقين حسب الحاجة  كما تُراعى احتياجاتهم الخاصة في أماكن الاحتجاز، ويُمنع اتخاذ إجراءات قد تضر بصحتهم الجسدية أو النفسية.

• الأجانب:

يحق للمتهم الأجنبي الاتصال بقنصلية بلده أو سفارته، وإبلاغهم فور توقيفه ويُسمح له بالاستعانة بمترجم معتمد طوال مراحل التحقيق والمحاكمة، إذا لم يكن يُجيد اللغة العربية.

• المرضى النفسيون:

في حال تبين وجود اضطرابات عقلية أو نفسية لدى المتهم، يجب عرضه على لجنة طبية مختصة  وقد تؤجل محاكمته أو يُتخذ بشأنه إجراء علاجي بدلًا من العقوبة التقليدية إذا ثبتت عدم أهليته للمساءلة.

تعرف على مراحل الدعوى الجزائية

 تعزيز ثقافة حقوق المتهم: التوعية والمسؤولية المجتمعية

نشر ثقافة حقوق المتهم في النظام السعودي هو واجب مشترك بين الجهات العدلية والإعلامية والتعليمية. فالتوعية المجتمعية تضمن التطبيق الفعلي للحقوق، وتعزز من شفافية النظام العدلي وفعاليته.

خاتمة:

تُجسّد حقوق المتهم في النظام السعودي منظومة متكاملة من الضمانات التي تكفل العدالة ، بدءًا من لحظة الاشتباه وحتى صدور الحكم النهائي. ويمنح نظام الإجراءات الجزائية للمتهم  حقوقًا راسخة أثناء التوقيف، والتحقيق، والمحاكمة، من أبرزها: الحق في معرفة التهمة، وتوكيل محامٍ، والصمت، والمحاكمة العلنية، فضلًا عن حماية فئات خاصة مثل النساء والقُصّر وذوي الإعاقة ولقد استعرضنا في هذا المقال أبرز هذه الحقوق، مستندين إلى نصوص المواد النظامية الرسمية،