حرية التعاقد في النظام السعودي تعد من الركائز الجوهرية التي يقوم عليها التعامل بين الأفراد والجهات داخل المملكة، فهي المبدأ الذي يسمح للأطراف بإختيار شركائهم في العقد وتحديد التزاماتهم وحقوقهم بما يتوافق مع مصالحهم، وفي الوقت نفسه يحفظ التوازن بين تلك الحرية وبين الضوابط الشرعية والنظامية التي تضمن عدم استغلالها بما يضر بالمجتمع أو يخالف النظام العام. .
وسيتناول هذا المقال تعريف حرية التعاقد وبيان الفارق بين الحرية المطلقة والمقيدة في التعاقدات، مع توضيح دور النيابة في التعاقد وأثرها على هذا المبدأ. كما سيتم التطرق إلى حرية التعاقد في العقود التجارية وفق النظام التجاري السعودي، وفي عقود العمل في ضوء نظام العمل السعودي ،إضافة إلى ذلك، سنستعرض آليات الرقابة القضائية والإدارية على التعاقدات باعتبارها وسيلة أساسية لضبط حرية التعاقد وتحقيق العدالة بين الأطراف.
تعريف حرية التعاقد في النظام السعودي
حرية التعاقد في النظام السعودي تعني تمكين الأطراف من إبرام العقود وتحديد شروطها وفق إرادتهم الحرة، دون تدخل خارجي، ما دام العقد لا يتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية أو مع الأنظمة المرعية في المملكة.
وبذلك فحرية التعاقد على مبدأ أصيل في الفقه الإسلامي وهو “العقد شريعة المتعاقدين”، الذي يقر بأن ما اتفق عليه الطرفان يصبح ملزمًا لهما ما لم يتضمن مخالفة شرعية أو نظامية.
وبهذا المفهوم تُعتبر حرية التعاقد ركيزة أساسية لتنظيم المعاملات المدنية والتجارية، وتضمن التوازن بين حرية الأفراد في التصرف وضرورة حماية النظام العام والمصلحة العامة.
تعرف على طريقة كتابة عقد شراكة تجارية في السعودية
الحرية المطلقة مقابل الحرية المقيدة في التعاقدات داخل المملكة:

لا توجد حرية مطلقة للتعاقد في أي نظام قانوني متحضر، وحرية التعاقد في النظام السعودي ليست استثناء.
فالأطراف في العقد لديهم حرية في الاتفاق على الشروط والمحتوى، لكن تلك الحرية تخضع لقيود موضوعية (ما لا يجوز التعاقد عليه) وقيود شكلية (إجراءات يجب التقيد بها)
وفيما يلي أهم الفروقات بين الحرية المطلقة والحرية المقيدة في العقود:
| الحرية المطلقة: | الحرية المقيدة: |
| أن يختار كل طرف ما يشاء من شروط التعاقد، من بنود وأسعار وتوقيت وما إلى ذلك، شريطة ألا تتضمّن محظورات شرعية أو تنظيمية. | يُملي النظام السعودي بعض الضوابط التي تقيّد الحرية، مثل حظر بعض الصيغ العقدية التي تؤدي إلى الغرر أو الظلم، أو اشتراط موافقة جهة معينة أو وجود صيغة مكتوبة، أو تحديد فئات يُحظر التعاقد معها في ظروف معينة. |
دور النيابة في التعاقد وأثرها على حرية التعاقد في النظام السعودي
النيابة في التعاقد هي أن يبرم شخص عقدًا نيابة عن آخر وقد نظمت المواد (87–93) من نظام المعاملات المدنية أحكام النيابة في التعاقد ، وإليك أبرز ما جاء بها:
- الأصل هو صحة التعاقد بالنيابة ما لم يُنص على استثناء.
- يجب أن يكون العقد الذي يبرمه النائب في حدود صلاحياته، وأي تجاوز يكون فضوليًا لا يلتزم به الأصيل إلا إذا أقرّه.
- في بعض الحالات تُعتبر عيوب الرضا (كالخطأ أو التدليس) متعلقة بالنائب إذا كان هو الفاعل.
- التعاقد بالنيابة لا يُعفي الأصيل من التزام العقد ما دام النائب قد أبرمه، إذا كان في حدود النيابة؛ مما يدعم حرية التعاقد بشرط الضوابط.
حرية التعاقد في العقود التجارية وضوابطها في النظام التجاري السعودي
في النظام التجاري السعودي، تُوفّر حرية التعاقد نطاقًا واسعًا أمام المتعاملين لتخصيص شروط العقود التجارية وفق ما يرونه مناسبًا، بشرط ألا تتعارض العقود مع القواعد النظامية أو أحكام الشريعة.
ومن الضوابط التي يلتزم بها المتعاقدون التجاريون في السعودية:
- الالتزام بأحكام الشفافية وعدم الخداع أو الغش.
- الامتثال للقيود التعاقدية التي تفرضها الجهات التنظيمية أو الصناعة أو المنافسة.
- في العقود الحكومية، لا يجوز أن تتجاوز مدة عقود الخدمات المستمرة خمس سنوات إلا بموافقة الجهات المختصة، مع توضيح شروط الأداء وإنهاء العقد.
- لا بد أن تُصاغ العقود والمراسلات باللغة العربية، وتُترجم إذا استُخدمت لغة أخرى على أن العربية هي المعتمَدة.
هذه الضوابط لا تنفي حرية التعاقد في النظام السعودي بل تضبطها في إطار الشفافية والعدالة.
حرية التعاقد في عقود العمل وفق نظام العمل السعودي
تُعد حرية التعاقد من المبادئ الأساسية في نظام العمل السعودي ، لكن هذا النظام يفرض قيودًا عدة لحماية العمال والموظفين ومن أبرزها:
- المساواة في حق العمل: ينص النظام (المادة 3 بعد التعديل) على أن العمل حق للمواطن وأن الجميع متساوون دون تمييز على أساس الجنس أو الإعاقة أو السن.
- حقوق المرأة في العمل: لا يجوز تشغيل المرأة في المهن الخطرة أو أثناء الليل إلا بقرار من الوزير، ولا يجوز فصلها أثناء الحمل أو إجازة الوضع.
- تنظيم عمل الأحداث: بالنسبة للأحداث، وضعت ضوابط لتشغيلهم من حيث عدد ساعات العمل، والراحة، والأعمال المسموح بها.
- حقوق المعاقين: إلزام أصحاب العمل الذين يوظفون 25 عاملًا فأكثر بتوظيف نسبة 4٪ من المعوقين المؤهلين مهنياً.
- طبيعة العقود: العقود محددة المدة قد تتحول إلى عقود غير محددة إذا ما تجاوزت التجديدات أو مدة معينة، مما يُقيد حرية التعاقد المفرطة.
هذه الضوابط تهدف إلى ضمان أن حرية التعاقد في عقود العمل لا تؤدي إلى استغلال العمال أو التمييز.
تعرف أيضا على عقد العمل الموحد في السعودية
آليات الرقابة القضائية والإدارية على التعاقدات لضبط حرية التعاقد

حتى لا تتحول حرية التعاقد إلى فوضى أو استبداد، هناك آليات رقابية ضابطة ، وإليك أبرزها:
الرقابة الإدارية:
الجهات الحكومية قد تكون ملزمة بفحص العقود الكبيرة أو تقديمها للمراجعة، كما هو الحال في عقود الخدمات بالعقود الحكومية.
الرقابة القضائية:
المحاكم تنظر في بطلان العقد أو فسخه إذا خالف النظام أو الشريعة أو إذا انطوى على غش أو إكراه أو غَرَر.
إلغاء بعض شروط العقد:
إذا تبين أن أحد الشروط باطل أو باطل جزئيًا، يمكن للمحكمة أن تلغيه دون إبطال العقد كله.
هذه الآليات تضمن أن حرية التعاقد في النظام السعودي تبقى ضمن حدود العدل والمشروعية.
يمكنك أيضا معرفة شروط وحقوق العامل في عقد العمل المؤقت في السعودية ٢٠٢٥
حرية التعاقد في النظام السعودي تمثل مبدأً أساسياً يوازن بين حق الأفراد في اختيار شركائهم وشروط تعاملاتهم وبين الضوابط النظامية والشرعية التي تضمن استقرار المعاملات وحماية المصلحة العامة ومن خلال التمييز بين الحرية المطلقة والمقيدة، يظهر كيف أن النظام السعودي يضع حدوداً تضمن عدم تجاوز هذه الحرية لما يضر بالنظام العام أو بحقوق الآخرين، بينما تأتي العقود التجارية وعقود العمل لتجسد تطبيقات عملية لهذا المبدأ وفق أنظمة متخصصة تراعي خصوصية كل مجال وفي النهاية، فإن آليات الرقابة القضائية والإدارية على التعاقدات تعدّ صمام أمان يعزز من عدالة المعاملات ويحدّ من أي تعسف محتمل، مما يجعل حرية التعاقد في المملكة قائمة على أسس متينة من الشرع والنظام، تجمع بين المرونة اللازمة لمواكبة التطور الاقتصادي والاجتماعي وبين الانضباط الذي يحفظ الحقوق ويصون العدالة.

لا توجد تعليقات