عقوبة البلاغ الكاذب في النظام السعودي تُعد من المسائل النظامية الدقيقة التي تعكس حرص المملكة على تحقيق التوازن بين تمكين الأفراد من الإبلاغ عن الجرائم، وبين منع استغلال هذا الحق في الإضرار بالغير أو تضليل العدالة
في هذا المقال، نستعرض مفهوم البلاغ الكاذب في النظام السعودي، ونوضح الأركان التي يجب توافرها لاعتباره جريمة تستوجب العقاب، كما نبيّن عقوبات البلاغ الكاذب في النظام السعودي ونفرّق بين البلاغ الكاذب والادعاء الكيدي من حيث التعريف والأثر النظامي. كما نسلط الضوء على إجراءات التحقيق التي تقوم بها النيابة العامة للتحقق من صحة البلاغ قبل الإحالة، ونختم بمجموعة من النصائح النظامية لحماية الأفراد من الوقوع في تهمة البلاغ الكاذب دون قصد.
مفهوم وأركان البلاغ الكاذب في النظام السعودي
يُقصد بالبلاغ الكاذب في النظام السعودي: إبلاغ جهة مختصة – مثل الشرطة أو النيابة العامة – بارتكاب جريمة مختلقة لا أساس لها من الصحة، مع علم المُبلِّغ بعدم وقوعها، وبنية الإضرار بالغيرز
ورغم عدم وجود مادة محددة في “نظام الإجراءات الجزائية” تتناول البلاغ الكاذب بشكل مباشر، إلا أن مضمونه يُتناول من خلال المبادئ العامة للمسؤولية الجزائية
وكذلك في مواد خاصة ضمن أنظمة أخرى كـ”نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية” و”نظام مكافحة التزوير” وغيرها، بحسب طبيعة الوسيلة المستخدمة أو نوع الجريمة المدّعى بها.
قد تحتاج إلى معرفة عقوبة الاتهام الباطل في القانون السعودي
أركان جريمة البلاغ الكاذب في السعودية
للبلاغ الكاذب أركان أساسية يجب توافرها حتى يُعد الفعل جريمة يُعاقب عليها، وهي:
- الركن المادي: ويتحقق من خلال تقديم بلاغ فعلي إلى جهة مختصة، يتضمن ادعاء بوقوع جريمة، رغم علم المُبلّغ بأنها لم تحدث. ويشمل البلاغ الشفوي أو الكتابي أو الإلكتروني
- الركن المعنوي: ويتمثل في القصد الجنائي، أي أن يكون المُبلِّغ على علم تام بأن البلاغ غير صحيح، ومع ذلك يقوم بتقديمه بهدف الإضرار المتعمد بالغير
- الركن النظامي: لا عقوبة إلا بنص، وعليه فإن عقوبة البلاغ الكاذب في النظام السعودي تُستمد من النصوص الجزائية الموزعة على الأنظمة السعودية، مثل ما ورد في المادة الثالثة من نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية، التي التشهير عبر الوسائل التقنية، وتفرض على مرتكبها السجن لمدة تصل إلى سنة وغرامة تصل إلى 500 ألف ريال، أو بإحدى هاتين العقوبتين، إذا استُخدمت وسائل إلكترونية في تقديم البلاغ.
يمكنك أيضا التعرف على تعويضات البلاغات الكيدية في النظام السعودي
عقوبات البلاغ الكاذب في النظام السعودي
لا يوجد نص موحد يتناول عقوبة البلاغ الكاذب في النظام السعودي بوجه عام في نظام واحد، وإنما تتوزع العقوبات وفقًا لنوع الوسيلة المستخدمة وطبيعة الجريمة المزعومة كالآتي و:
البلاغ الكاذب عبر الوسائل الإلكترونية:
إذا تم تقديم البلاغ الكاذب عن طريق وسائل تقنية مثل منصات التواصل الاجتماعي فإن العقوبة تخضع لما ورد في نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية، وتحديدًا المادة الثالثة، التي تنص على:
> “يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على سنة، وبغرامة لا تزيد على خمسمائة ألف ريال، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من أنتج أو أرسل أو نشر، عن طريق الشبكة المعلوماتية أو أحد أجهزة الحاسب، معلومات تتضمن إضرارًا بالغير أو التشهير به.”
وتُطبق هذه المادة في حال نتج عن البلاغ الكاذب ضرر معنوي أو مادي بفعل النشر الإلكتروني.
البلاغ الكاذب أمام الجهات الرسمية:
في الحالات التي يُقدَّم فيها البلاغ الكاذب مباشرة إلى جهة مختصة (مثل النيابة العامة أو مراكز الشرطة)، وتسبب في تحريك دعوى جزائية ضد شخص بريء، فإن عقوبة البلاغ الكاذب في النظام السعودي تُقدَّر بناءً على الأنظمة ذات العلاقة بالفعل المُدعى به، مثل:
- نظام مكافحة التزوير
- نظام مكافحة الرشوة
- أو أي نظام يُنظّم الجريمة المزعومة
ويتم توقيع عقوبة البلاغ الكاذب في النظام السعودي بحسب جسامة الضرر والنية الكيدية، وقد تشمل:
- السجن
- الغرامة
- التعزير الشرعي
التعويض عن البلاغ الكاذب
إضافة إلى العقوبة الجزائية، يحق للشخص المتضرر من البلاغ الكاذب أن يطالب بـتعويض مالي أمام المحكمة المختصة، إذا ثبت وقوع ضرر فعلي، سواء مادي (خسائر مهنية أو مالية) أو معنوي (تشويه سمعة، ضرر نفسي).
الفرق بين البلاغ الكاذب والادعاء الكيدي في النظام السعودي
يفرّق النظام السعودي بين البلاغ الكاذب والادعاء الكيدي من حيث الطبيعة والركن المعنوي والأثر القانوني كالآتي:
- البلاغ الكاذب: هو تقديم معلومات غير صحيحة عمدًا إلى جهة مختصة (مثل الشرطة أو النيابة العامة)، تفيد بوقوع جريمة أو مخالفة لم تحدث أصلًا، أو نُسبت إلى شخص بريء، مع علم المبلّغ بعدم صحة الوقائع.
- الادعاء الكيدي: هو رفع دعوى أمام المحكمة ضد شخص آخر بنيّة الإضرار به، مع انعدام الحق أو المصلحة أو الإثبات، ويُعد نوعًا من إساءة استعمال الحق في التقاضي وقد يُعاقب بغرامة مالية وإلزام بتحمّل أتعاب الخصم وتعويضه.
إجراءات التحقيق: كيف تتحقق النيابة من صحة البلاغ قبل الإحالة؟
عند تلقي الجهات المختصة في المملكة بلاغًا بوقوع جريمة، تبدأ النيابة العامة أولًا في التحقق من مدى جدّية البلاغ وصحته قبل إحالته إلى المحكمة المختصة وتمر عملية التحقق بعدة مراحل منظمة:
- دراسة البلاغ الأولي: تبدأ النيابة بمراجعة مضمون البلاغ للتأكد من أن الأوصاف المقدّمة تشكل جريمة يعاقب عليها النظام، ويجري تقييم أولي لجدّية الإدعاء.
- طلب الأدلة والمستندات: يُطلب من المبلِّغ تقديم ما يدعم أقواله من مستندات، أو شهود، أو أدلة رقمية، أو أي وسيلة إثبات يُعتد بها نظامًا.
- التحقيق مع الأطراف: تقوم النيابة باستدعاء المشكو في حقه للاستماع إلى أقواله، كما تُحقق مع الشهود إن وُجدوا، وتُقارن الروايات بحثًا عن التناقضات أو المؤشرات على الكذب.
- التحقق من سوابق البلاغظ:تُراجع النيابة ما إذا كان المبلّغ قد سبق وقدم بلاغات مماثلة أو ثبت عليه الكيد أو الإساءة، وقد تستخدم الوسائل التقنية لتتبع مصدر البلاغ إن كان إلكترونيًا.
- تقرير الحفظ أو الإحالة: إذا تبيّن كذب البلاغ أو عدم كفاية الأدلة، تصدر النيابة قرارًا بـحفظ البلاغ دون إحالة أما إذا توفرت قرائن معقولة، فيُحال البلاغ إلى المحكمة المختصة.
تعكس هذه الإجراءات حرص النظام السعودي على عدم الزج بالأبرياء في الدعاوى الكيدية أو البلاغات المفبركة، وضمان ألا تُستخدم السلطة الجزائية في غير محلها.
تعرف على عقوبة إزعاج السلطات في السعودية
كيف تحمي نفسك من تهمة البلاغ الكاذب؟ نصائح نظامية مهمة
تقديم بلاغ إلى جهة مختصة حق مشروع كفله النظام السعودي، لكن هذا الحق يجب أن يُمارس بحسن نية حتى لا يتحول إلى تهمة بلاغ كاذب ولحماية نفسك من الوقوع تحت طائلة هذه الجريمة، يُنصح باتباع النصائح النظامية التالية:
- لا تُقدّم بلاغًا دون تحقق: تأكد من أن المعلومات التي تُبلغ عنها صحيحة ومدعومة بقرائن أو مستندات، ولا تعتمد على الشائعات أو الظنون الشخصية.
- دوّن التفاصيل بدقة: عند تقديم البلاغ، احرص على توثيق الوقائع بأسماء وأماكن وتواريخ دقيقة، واذكر مصدر علمك بها إن أمكن.
- اختر الجهة المختصة: لا تقدم بلاغك إلى جهة غير معنية أو تنشره على وسائل التواصل الاجتماعي؛ بل توجه مباشرة إلى النيابة العامة، أو وزارة التجارة، أو الجهات الرقابية المختصة بحسب نوع المخالفة.
- احتفظ بنسخة من البلاغ ومرفقاته: سواء قدمته ورقيًا أو إلكترونيًا، احتفظ بإثبات التقديم والمرفقات المرفقة؛ فهي تدعم موقفك إذا تم الشكوى ضدك لاحقًا.
- استشر مختصًا قبل التقديم: في القضايا الحساسة أو التي تتعلق باتهامات جسيمة، يُفضل استشارة محامٍ مختص قبل تقديم البلاغ، لضمان استيفائه للشروط النظامية.
باتباع هذه الإرشادات، تحمي نفسك من عقوبة البلاغ الكاذب في النظام السعودي وتضمن أن يكون بلاغك في إطار النظام، ما يسهم في الحفاظ على مصداقيتك، وخدمة الصالح العام دون تعرّض للمساءلة.
في ضوء ما سبق، يتّضح أن عقوبة البلاغ الكاذب في النظام السعودي ليست مجرد إجراء تأديبي، بل أداة نظامية تهدف إلى حماية الأفراد من الإضرار الكيدي، وضمان عدم استغلال حق الإبلاغ في غير محله. وقد تناولنا في هذا المقال مفهوم البلاغ الكاذب، وأركانه الأساسية، والتمييز بينه وبين الادعاء الكيدي، إلى جانب العقوبات المقررة بحسب نوع الوسيلة المستخدمة ،كما استعرضنا دور النيابة العامة في التحقق من صحة البلاغات قبل إحالتها، وقدمنا نصائح عملية تساعد الأفراد على تجنّب الوقوع في هذه الجريمة دون قصد، عبر الالتزام بالدقة والصدق والرجوع إلى الجهات المختصة
لا توجد تعليقات