تُعد قضايا التعويض في النظام السعودي من الركائز الأساسية لحماية الحقوق وجبر الضرر، حيث يضمن النظام تعويض المتضرر عن الأضرار الجسدية، النفسية، المالية، والمعنوية، وفق أحكام مستمدة من الشريعة الإسلامية والأنظمة المعتمدة. ويشمل ذلك التعويض عن الأخطاء الطبية، والإصابات، والتشهير، والخسائر التجارية، وغيرها. كما ينظم النظام شروط رفع دعوى التعويض، والمهل القانونية، وآليات الإثبات، بما يشمل دعاوى ضد الجهات الحكومية.
في هذا المقال، نستعرض أبرز أنواع قضايا التعويض، إجراءات المطالبة بها، والضمانات التي يكفلها النظام السعودي للمتضررين، مع الاستناد إلى نصوص نظامية ومصادر موثوقة
مفهوم التعويض في النظام السعودي
يُعرّف التعويض في النظام السعودي بأنه التزام يُلزم المتسبب بالضرر بجبر الضرر الواقع على الغير، سواء كان الضرر ماديًا أو معنويًا، ويهدف إلى إعادة المتضرر إلى الحالة التي كان عليها قبل وقوع الضرر قدر الإمكان
يقوم هذا المفهوم على قواعد الشريعة الإسلامية ومبادئ العدالة التي تنص على “لا ضرر ولا ضرار”، ويُترجم ذلك نظاميًا في مواد واضحة من نظام المعاملات المدنية مثل المواد (١٦٥) و(١٦٨) و(١٧٠)
تعرف على المسؤولية والتعويض عن الفعل الضار في السعودية
أنواع قضايا التعويض في النظام السعودي
تتنوع قضايا التعويض في النظام السعودي بحسب طبيعة الضرر الواقع وظروفه ويُنظر فيها أمام ديوان المظالم. ولكل نوع من هذه القضايا شروط نظامية وإجراءات محددة لإثبات الضرر
وتحديد قيمة التعويض وفقًا لما ورد في الأنظمة السعودية، وعلى رأسها نظام المعاملات المدنية ونظام مزاولة المهن الصحية
التعويض عن الإصابات الجسدية والنفسية
يُعد هذا النوع من أكثر قضايا التعويض في النظام السعودية شيوعًا. ويتضمن ذلك التعويض عن الحوادث المرورية، والاعتداءات الجسدية، أو أي فعل يؤدي إلى ضرر بدني أو نفسي
تقوم المحاكم بتقدير التعويضات بناءً على حجم الإصابة وتكاليف العلاج والأثر النفسي طويل المدى، مع مراعاة مبدأ جبر الضرر المقرر شرعًا ونظامًا.
دعوى التعويض عن الأخطاء الطبية
تنشأ هذه القضايا نتيجة تقصير أو إهمال الممارسين الصحيين وحدد نظام مزاولة المهن الصحية مسؤولية الممارس عند وقوع ضرر، ويُحال النظر فيها إلى الهيئة الصحية الشرعية التي تحدد التعويض المناسب
ومن أبرز صور هذه التعويضات:
- تعويض الوفاة الناتجة عن الخطأ الطبي: 300,000 ريال سعودي كدية شرعية تُدفع لأهل المتوفى.
- تعويض فقدان أحد الأعضاء:
يُحتسب بناءً على نسبة العجز، وقد يصل إلى 300,000 ريال سعودي في بعض الحالات الجسيمة.
- غرامات الحق العام على الممارس:
قد تُفرض غرامة تصل إلى 200,000 ريال سعودي بحسب ما تقرره اللجنة المختصة، وتُودع في خزينة المملكة
- تعويضات الأضرار الأقل جسامة:
مثل الآلام المؤقتة أو المضاعفات القابلة للعلاج، وتُقدَّر غالبًا بمبالغ تصل إلى 50,000 ريال سعودي.
تعرف أكثر على محامي تعويضات طبية في الرياض
التعويض عن الأضرار المالية والتجارية
يُعد التعويض عن الأضرار المادية والتجارية من أبرز صور قضايا التعويض في النظام السعودي، ويشمل كل ضرر مالي يصيب الأفراد أو المنشآت نتيجة فعل غير مشروع، أو إخلال بالتزامات تعاقدية، أو ممارسات تجارية غير نزيهة مثل الاحتيال، والمنافسة غير المشروعة، أو الإضرار بسمعة النشاط التجاري.
ويُشترط في هذا النوع من القضايا إثبات التالي:
- حدوث ضرر مادي مباشر (كخسارة مالية، فقدان ربح، توقف النشاط التجاري).
- وجود علاقة تعاقدية أو التزام نظامي أخلّ به الطرف الآخر.
- الرابط السببي بين هذا الإخلال والضرر الواقع.
وتُقدَّر التعويضات بناءً على التقارير المالية، أو الخبرة المحاسبية، أو مستندات الخسائر، ويجوز للمحكمة أن تستعين بخبير لتحديد حجم الضرر.
قضايا التعويض عن التشهير والأذى المعنوي
يمنح النظام السعودي المتضررين من التشهير أو الإيذاء النفسي والمعنوي الحق في المطالبة بتعويض. يشترط تقديم إثبات واضح يربط بين الفعل المشين والضرر النفسي، ويمكن أن يشمل التعويض الأثر الاجتماعي والمعنوي والمهني الذي لحق بالمدعي.
التعويض عن الأضرار الناتجة عن العقود
يُعد التعويض عن الأضرار الناتجة عن العقود من أبرز صور قضايا التعويض في النظام السعودي، حيث يحمي النظام أطراف العلاقة التعاقدية من الإخلال أو التأخير أو الامتناع عن تنفيذ الالتزامات المتفق عليها.
وقد نظم نظام المعاملات المدنية السعودي هذا النوع من التعويضات بشكل واضح، حيث نصت المادة (175) على أن:
“لا يُستحق التعويض إلا بعد إعذار المدين، ما لم يوجد اتفاق أو نص نظامي بخلاف ذلك.”
كما أكدت المادة (173) من ذات النظام على أن:
“يجوز الاتفاق على إعفاء المدين من التعويض عن الضرر الناشئ عن عدم تنفيذ التزامه التعاقدي أو تأخره فيه، إلا ما يكون عن غش أو خطأ جسيم منه.”
وتبعًا لذلك، فإن التعويض في هذا السياق لا يقتصر على الإخلال الكلي بتنفيذ العقد، بل يشمل أيضًا التأخير أو التنفيذ المعيب ويشترط لقبول دعوى التعويض في هذه الحالة:
- وجود عقد مكتوب أو مبرر شرعي للعلاقة التعاقدية.
- وقوع إخلال فعلي من أحد الأطراف بشروط العقد.
- تحقق ضرر مباشر للطرف الآخر.
- وجود رابطة سببية بين الإخلال والضرر.
وفي كثير من الحالات، تستعين المحكمة بخبير مالي أو محاسبي لتقدير حجم الضرر بدقة، خصوصًا في العقود التجارية أو العقود طويلة الأجل.
شروط رفع دعوى التعويض في السعودية
حتى تُقبل دعوى التعويض، يجب أن تتوافر عناصر أساسية:
- وجود ضرر فعلي
يشترط أن يكون هناك ضرر حقيقي أصاب المدّعي، سواء كان الضرر ماديًا (كخسارة مالية، تلف مال، أو فوات ربح)، أو معنويًا (مثل التشهير أو الأذى النفسي أو المساس بالسمعة).
- ثبوت الخطأ:
يشترط إثبات أن الطرف المدعى عليه ارتكب فعلًا خاطئًا، سواء كان عمديًا أو ناتجًا عن إهمال أو تقصير. ويُعد الخطأ أحد أركان المسؤولية التعويضية، ولا يُقبل الادعاء بالتعويض بدونه.
- وجود علاقة سببية بين الخطأ والضرر:
لا بد من وجود علاقة سببية مباشرة بين الفعل الضار والضرر الواقع. فإذا انقطعت هذه العلاقة لأي سبب، تنتفي مسؤولية الطرف المتسبب.
- تقديم الدعوى خلال المدة النظامية:
يجب رفع الدعوى خلال المدة المحددة نظامًا
- تقديم الإثباتات والدلائل:
يلتزم المدّعي بتقديم ما يثبت دعواه من مستندات أو شهود أو تقارير فنية. ولا تقبل الدعوى ما لم تكن قائمة على بينة نظامية واضحة.
يمكنك أيضا الإطلاع على كيفية رفع دعوى تعويض؟ وشروطها
المهلة النظامية لرفع دعوى التعويض
حددت المادة رقم (١٤٣) من نظام المعاملات المدنية المدة النظامية لسماع دعاوى التعويض بثلاث سنوات من تاريخ علم المتضرر بوقوع الضرر وفي جميع الأحوال لا تسمع الدعوى بانقضاء (عشر) سنوات من تاريخ وقوع الضرر
كيفية تقديم الأدلة في قضايا التعويض
يشترط في قضايا التعويض في النظام السعودي تقديم أدلة واضحة لإثبات الضرر ومن بين الأدلة المعتمدة:
- التقارير الطبية أو النفسية.
- فواتير المصروفات الناتجة عن الضرر.
- شهادات الشهود.
- نسخ من العقود أو المراسلات.
وتُعد جودة تقديم الأدلة أحد العوامل الحاسمة في نجاح الدعوى، لذلك يُنصح بالاستعانة بمحامٍ متخصص في قضايا التعويض في السعودية.
دعوى التعويض ضد الجهات الحكومية
يمكن رفع قضايا التعويض في النظام السعودي ضد الجهات الحكومية عند صدور قرارات أو تصرفات خاطئة تُلحق ضررًا بالمواطن و تختص محاكم ديوان المظالم بالنظر في هذه الدعاوى، ويجب إثبات الضرر والربط بين القرار الإداري والضرر الفعلي.
التعويض عن أضرار التقاضي
تشمل قضايا التعويض في النظام السعودي الأضرار الناتجة عن الدعاوى الكيدية أو تأخير الإجراءات القضائية و يحق للمتضرر المطالبة بتعويض مادي عن الأضرار المعنوية أو المالية التي لحقت به نتيجة التقاضي غير المشروع.
وقد أكد نظام المرافعات الشرعية على الحق في التعويض عن أضرار التقاضي حيث نصت المادة (73) الفقرة (3) من النظام على:
“تنظر المحكمة التي أصدرت الحكم دعوى التعويض عن الأضرار الناتجة من المماطلة في أداء الحقوق محل الدعوى.”
ختامًا، يتبيّن أن قضايا التعويض في النظام السعودي تمثل أداة فعالة لتحقيق العدالة وجبر الضرر بمختلف أشكاله، سواء ناتجًا عن إصابة جسدية أو نفسية، أو عن خطأ طبي، أو ضرر تجاري أو معنوي. وقد استعرضنا في هذا المقال الجوانب الرئيسة التي تنظّم دعاوى التعويض، من المفهوم العام، إلى أنواع القضايا، مرورًا بالشروط النظامية، والمهلة القانونية، وكيفية تقديم الأدلة، ووصولًا إلى دعاوى التعويض ضد الجهات الحكومية. ويؤكد هذا التكامل التشريعي على التزام المملكة بحماية الحقوق ورد المظالم، من خلال أنظمة دقيقة وإجراءات تضمن الإنصاف للمتضرر
لا توجد تعليقات