نظام الحماية من الإيذاء في السعودية يمثل أحد الأعمدة الأساسية التي تستند إليها المملكة في حفظ كرامة الإنسان وصيانة حقوق الفئات الأضعف في المجتمع، مثل النساء، الأطفال، كبار السن، وذوي الإعاقة. وقد وضعت المملكة هذا النظام استنادًا إلى الشريعة الإسلامية التي تحرّم الظلم والإيذاء
في هذا المقال، نسلّط الضوء على نظام الحماية من الإيذاء في السعودية 2025 من حيث تعريفه وأهدافه وآلية عمله، ونستعرض العقوبات المقررة على مرتكبي الإيذاء، بما في ذلك الحالات التي تشدد فيها العقوبة بشكل خاص. كما نوضح الجهات المختصة بتلقي البلاغات، ونناقش أبرز التحديات التي تواجه تطبيق النظام على أرض الواقع. وختامًا، نقدّم دليلًا عمليًا للمتضررين يوضح الخطوات الواجب اتباعها بعد التعرّض لأي شكل من أشكال الإيذاء.
ما هو نظام الحماية من الإيذاء في السعودية ؟
نظام الحماية من الإيذاء في السعودية هو مجموعة من النصوص النظامية التي تهدف إلى منع جميع أشكال الإساءة البدنية أو النفسية أو الجنسية أو التهديد بها، والتي تقع على أي شخص، وخصوصًا ضمن نطاق الأسرة. وقد صدر هذا النظام بموجب المرسوم الملكي رقم (م/52) وتاريخ 15/11/1434هـ.
يعتمد النظام على مبادئ الشريعة الإسلامية ويشمل كافة أشكال الإيذاء، سواء من قبل أحد أفراد الأسرة أو من خارجها، ويشمل كذلك الإهمال والاستغلال. وتقوم المملكة من خلال هذا النظام بتوفير الحماية للضحايا، وضمان محاسبة الجناة، ووضع آليات واضحة للبلاغات والمعالجة.
أهداف نظام الحماية من الإيذاء وآلية عمله
حددت المادة رقم (٢) من نظام الحماية من الإيذاء في السعودية الأهداف التى يرمي إليها وهي الآتي:
- توفير الحماية الشاملة من جميع أشكال الإيذاء الجسدي أو النفسي أو اللفظي أو غيرها.
- تقديم الدعم العلاجي والمساعدة الفورية، وتوفير خدمات الإيواء والرعاية الاجتماعية والنفسية والصحية المناسبة للحالات المتضررة.
- اتخاذ التدابير النظامية اللازمة لمساءلة مرتكبي الإيذاء وتطبيق العقوبات المقررة بحقهم.
- تعزيز الوعي المجتمعي بمفهوم الإيذاء وآثاره السلبية على الفرد والمجتمع.
- التصدي للسلوكيات المجتمعية التي تُعد مؤشرات على وجود بيئة محتملة لحدوث حالات إيذاء والعمل على معالجتها.
- تطوير آليات علمية وعملية فعالة لمعالجة حالات الإيذاء والتعامل معها بطرق مدروسة.
ويتم تنفيذ النظام من خلال وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية، بالتنسيق مع وزارة الداخلية، والنيابة العامة، والجهات الصحية والتعليمية.
قد تحتاج إلى التعرف على كيفية اثبات واقعة التحرش في النظام السعودي
العقوبات في نظام الحماية من الإيذاء: السجن والغرامات
حدّد نظام الحماية من الإيذاء في السعودية العقوبات المترتبة على من يرتكب أي فعل من أفعال الإيذاء الجسدي، النفسي، الجنسي أو اللفظي، وذلك بما يضمن ردع الجناة وحماية المتضررين.
وبحسب تعديلات المادة (13) من النظام فإن العقوبة الأساسية تتمثل هي:
” السجن لمدة لا تقل عن شهر ولا تزيد على سنة، وغرامة مالية لا تقل عن خمسة آلاف ريال ولا تتجاوز خمسين ألف ريال، أو بإحدى هاتين العقوبتين”
تشديد العقوبة في حالات الإيذاء المُشدّدة وفقًا لنظام الحماية من الإيذاء
وفقًا للفقرة رقم (٢) من تعديل المادة (١٣) من نظام الحماية من الإيذاء في السعودية ، تشدد العقوبة لتصبح الآتي:
السجن لمدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على خمس سنوات، وغرامة مالية لا تقل عن خمسين ألف ريال ولا تتجاوز ثلاثمائة ألف ريال، أو بإحدى هاتين العقوبتين، وذلك إذا اقترنت الجريمة بأي من الحالات التالية:
- أولاً: إذا كان المتعرض للإيذاء من الفئات ذات الأولوية في الحماية، مثل:
- الأشخاص ذوي الإعاقة
- أحد الوالدين
- من تجاوز عمره ستين عامًا
- المرأة الحامل إذا نتج عن الإيذاء سقوط الجنين
- ثانيًا: إذا ارتُكبت الجريمة في مواقع يُفترض أن تكون آمنة، مثل:
- أماكن العمل
- مؤسسات التعليم
- دور العبادة
- ثالثًا: إذا كان مرتكب الجريمة ممن أسندت إليهم مسؤولية تنفيذ أحكام النظام: كالموظفين المكلفين بالحماية أو المكلفين بضبط البلاغات أو الرعاية.
- رابعًا: استخدام السلاح: إذا ارتُكب الإيذاء باستخدام أحد الأسلحة
- خامسًا: التكرار: إذا تكررت أفعال الإيذاء خلال الواقعة الواحدة، سواء على نفس الضحية أو على أكثر من شخص
كما نص النظام على أن العقوبة تُضاعف في حال العود، أي إذا عاد الجاني إلى ارتكاب الجريمة بعد صدور حكم سابق بحقه في ذات السياق
ويُعاقب بالعقوبة نفسها أيضًا كل من شارك في الجريمة من خلال التحريض أو الاتفاق أو تقديم أي نوع من المساعدة، سواء كان فعله مباشراً أو غير مباشر.
من يتولى تلقّي البلاغ؟ الجهات المختصة بالنظام
تتلقى البلاغات الجهات التالية:
- وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية (عبر مركز بلاغات العنف 1919).
- الشرطة في حال البلاغ الفوري.
- النيابة العامة في حال الإحالة.
- الجهات الصحية والتعليمية باعتبارها جهات راصدة للحالات المحتملة.
التحديات في تطبيق نظام الحماية من الإيذاء
رغم ما يتضمنه نظام الحماية من الإيذاء في السعودية من بنود واضحة وآليات شاملة تهدف إلى حماية الأفراد، إلا أن التطبيق الفعلي للنظام يواجه عددًا من التحديات على أرض الواقع.
ومن أبرز هذه التحديات: ضعف الوعي المجتمعي حول حقوق الضحايا وآليات الإبلاغ، مما يؤدي إلى تردد الكثيرين في تقديم البلاغات، خصوصًا في حالات العنف الأسري.
كذلك، يُلاحظ في بعض الحالات وجود قصور في التنسيق بين الجهات المختصة مثل الجهات الأمنية، والنيابة، والخدمات الاجتماعية، وهو ما قد يؤدي إلى تأخير التدخل أو الحماية الفورية المطلوبة.
ويُضاف إلى ذلك نقص التدريب التخصصي لدى بعض العاملين في حول كيفية التعامل مع حالات الإيذاء، وخصوصًا عند التعامل مع الأطفال أو ذوي الإعاقة أو ضحايا العنف النفسي.
كما أن التحديات تمتد إلى البعد الثقافي والاجتماعي، حيث تُهيمن في بعض البيئات مفاهيم خاطئة تعيق الإبلاغ أو تبرر الإيذاء بدعوى التربية أو الأعراف.
إطلع أيضا على وسائل الإثبات الحديثة
دليل المتضررين: خطوات بعد التعرض للإيذاء
في حال التعرّض لأي شكل من أشكال الإيذاء، يُوفر نظام الحماية من الإيذاء في السعودية مسارات واضحة لحماية الضحية وضمان حصولها على الدعم اللازم. وتتمثل الخطوات الأساسية التي يُنصح بها للمتضررين فيما يلي:
- الخروج من بيئة الخطر فورًا: إذا كان هناك تهديد مباشر، وذلك حفاظًا على السلامة الجسدية والنفسية.
- توثيق الحالة: بكل الوسائل المتاحة، مثل تصوير الإصابات، أو الاحتفاظ برسائل التهديد، أو تسجيل الوقائع عند الإمكان، حيث تمثل هذه الأدلة عنصرًا مساعدًا في التحقيقات.
- تقديم بلاغ رسمي إلى الجهات المختصة: مثل مركز بلاغات العنف الأسري (1919)، أو الشرطة، أو عبر منصة “حماية” الإلكترونية التابعة لوزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية.
- التوجه إلى أقرب مركز صحي أو طوارئ: :في حال وجود إصابات، والحصول على تقرير طبي رسمي يُستخدم لاحقًا في الإجراءات النظامية.
- متابعة الحالة مع الجهات النظامية : لضمان اتخاذ الإجراءات بحق المعتدي، بما في ذلك إصدار أوامر الحماية المؤقتة إن لزم الأمر.
الجدير بالذكر أن التعامل مع البلاغات يتم بسرية تامة، ويمنع إفشاء هوية المبلّغ أو المتضرر، كما يُتيح له/لها الحق في المتابعة حتى بعد انتهاء الإجراءات الأولية، ما يضمن تحقيق العدالة واستعادة الشعور بالأمان.
الخاتمة:
يُجسّد نظام الحماية من الإيذاء في السعودية 2025 التزام المملكة الراسخ بحماية الفرد من كافة أشكال الإيذاء، وتعزيز الأمن المجتمعي من خلال تشريعات متطورة وآليات تنفيذ فعّالة. وقد أتاح هذا النظام منظومة متكاملة تُراعي حقوق المتضررين، وتفرض العقوبات الرادعة على المعتدين، مع تشديدها في الحالات التي تستوجب حماية خاصة. كما ساهم في ترسيخ ثقافة التبليغ، وتفعيل دور الجهات المختصة، مما عزّز من كفاءة التدخل السريع والاستجابة للحالات الطارئة.
لا توجد تعليقات