استغلال النفوذ الوظيفي

استغلال النفوذ الوظيفي


عقوبة استغلال النفوذ الوظيفي في النظام السعودي تُعد من أهم الأدوات النظامية التي وضعتها المملكة لمكافحة الفساد الإداري وحماية المال العام وتعزيز الشفافية. فاستغلال المنصب لتحقيق مكاسب شخصية أو التأثير غير المشروع في القرارات الإدارية يعد من التصرفات التي تهدد كفاءة الجهاز الإداري وتنال من ثقة المجتمع بمؤسساته، ما استوجب وضع أنظمة حازمة تُعالج هذا السلوك وتعاقب عليه بصرامة.

في هذا المقال، سنتناول بشكل مفصل العناصر الأساسية المتعلقة بـ عقوبة استغلال النفوذ الوظيفي  بدءًا من المفهوم النظامي والاستناد النظامي إلى الأنظمة المعمول بها، مرورًا بأشكال الاستغلال الشائعة، ووصولًا إلى أركان الجريمة، والجهات المختصة بالتحقيق والمحاكمة

تعريف استغلال النفوذ الوظيفي في النظام السعودي

يُقصد بـ”استغلال النفوذ الوظيفي” استخدام الموظف لسلطته أو لمنصبه العام من أجل تحقيق مصالح شخصية أو مكاسب غير مشروعة له أو لغيره، سواء تم ذلك عن طريق التأثير في القرارات أو تعطيل الإجراءات أو تسهيل الأعمال بالمخالفة للأنظمة. ويُعتبر هذا الفعل مخالفًا للمبادئ الأساسية للعدالة والنزاهة الإدارية.

وقد أكد النظام السعودي على أن الوظيفة العامة أمانة لا يجوز استغلالها لتحقيق مصلحة خاصة، وهو ما يتوافق مع مبادئ الشريعة الإسلامية التي تُعلي من قيمة الأمانة وتحارب الفساد.

يمكنك أيضا التعرف على نظام الانضباط الوظيفي

أنواع استغلال النفوذ الوظيفي

يأخذ الاستغلال الوظيفي في النظام السعودي عدة أشكال تختلف بحسب طبيعة النفوذ المُستخدم والغاية المرجوة من هذا النفوذ. وإليك أبرز الأنواع 

  •  استغلال النفوذ الحقيقي:

وهو أن يستخدم الموظف صلاحياته الرسمية الفعلية لتحقيق مكاسب شخصية له أو لغيره، كتقديم تسهيلات غير مشروعة مقابل مقابل مادي أو خدمة خاصة. وهذا النوع الأكثر وضوحًا من حيث الأثر المباشر والانحراف عن الوظيفة.

  • استغلال النفوذ المزعوم:

يشمل ادعاء الموظف بامتلاكه نفوذاً داخل الجهة التي يعمل بها أو مع جهات رسمية أخرى، من أجل الضغط أو التأثير لتحقيق هدف معين، حتى إن لم يكن يملك فعلاً تلك الصلاحيات. هذا النوع يُعد جرمًا مستقلًا يعاقب عليه، حيث يُضلّل الضحايا ويُهدد مبدأ العدالة.

  • استغلال المعلومات الوظيفية:

يحدث عندما يستفيد الموظف من معلومات غير متاحة للعامة حصل عليها من خلال عمله، بغرض تحقيق منفعة خاصة أو تسريبها لأطراف ثالثة، مما يُشكل خيانة للأمانة المهنية.

  •  استغلال العلاقات الرسمية:

يتمثل في استخدام العلاقات التي بناها الموظف أثناء أداء مهامه للتأثير على قرارات أو إجراءات لدى جهات أخرى، لأغراض غير مشروعة.

  •  استغلال السلطة التأديبية أو الإدارية:

كأن يقوم الموظف باستخدام سلطته في الترقية أو العقوبة أو التقييم الإداري بطريقة تمييزية، تضر بالموظفين الآخرين أو تتيح له التحكم في الموارد البشرية بما يحقق له نفوذاً غير مشروع.

تُعد هذه الأنواع جميعًا من الأفعال المحظورة وفق الأنظمة السعودية، ويخضع مرتكبيها ل عقوبة استغلال النفوذ الوظيفي في النظام السعودي 

إطلع أيضا على مفهوم الحوكمة ومبادئها

أركان جريمة استغلال النفوذ الوظيفي

لكي تُعد جريمة استغلال النفوذ الوظيفي في النظام السعودي قائمة من الناحية النظامية، يجب أن تتوافر فيها ثلاثة أركان أساسية تتكامل لتشكيل الجريمة، وهي: 

الركن الشرعي:

هو وجود نص نظامي يُجرّم الفعل المرتكب، ويُعد هذا الركن شرطًا أساسيًا لمشروعية العقوبة وقد نصت المادة الخامسة من نظام مكافحة الرشوة على تجريم كل موظف يطلب أو يقبل عطية أو وعدًا لاستخدام نفوذه الحقيقي أو المزعوم للحصول على معاملة أو خدمة من جهة عامة

كما أكدت المادة الأولى من نفس النظام أن أي مكاسب يتم الحصول عليها بسبب الوظيفة تُعد جريمة موجبة للعقاب.

الركن المادي:

يمثل السلوك الفعلي المرتكب، وهو استغلال الموظف لنفوذه لتحقيق منفعة غير مشروعة له أو لغيره. ويتحقق هذا الركن من خلال:

  • قيام الموظف بطلب مقابل مادي أو غير مادي نظير استعمال نفوذه
  • التأثير على قرارات أو إجراءات إدارية مخالفة للأنظمة.
  • استخدام معلومات أو سلطات الوظيفة بغير وجه حق.
  • إثبات العلاقة السببية بين استخدام النفوذ والمنفعة المتحققة.

الركن المعنوي:

يُقصد به القصد الجنائي أو النية الكاملة لدى الموظف عند ارتكاب الفعل، ويشترط لتحققه أن يكون الموظف:

  • عالمًا بأنه يستغل نفوذه الوظيفي.
  • قاصدًا تحقيق مصلحة شخصية أو ضررًا بجهة أو شخص آخر.
  • مدركًا أن ما يقوم به يخالف النظام والواجبات المهنية.

الجدير بالذكر  أن توافر هذه الأركان الثلاثة هو ما يسمح للسلطات القضائية في المملكة بإثبات الجريمة وتوقيع عقوبة استغلال النفوذ الوظيفي في النظام السعودي وفقًا لما تقرره الأنظمة المختصة.

عقوبة استغلال النفوذ الوظيفي في النظام السعودي

عقوبة استغلال النفوذ الوظيفي في النظام السعودي
عقوبة استغلال النفوذ الوظيفي في النظام السعودي

تُعد عقوبة استغلال النفوذ الوظيفي في النظام السعودي من العقوبات الصارمة التي تهدف إلى ضمان أداء الموظف العام لمسؤولياته بنزاهة وشفافية وفيما يلي أبرز العقوبات التي نصت عليها الأنظمة ذات الصلة:

العقوبة الأساسية وفق المادة الخامسة من نظام مكافحة الرشوة

تنص المادة على أن:

“كل موظف عام طلب لنفسه أو لغيره أو قبل أو أخذ وعدًا أو عطية لاستعمال نفوذ حقيقي أو مزعوم للحصول أو لمحاولة الحصول من أي جهة عامة على وظيفة أو خدمة أو معاملة أو ميزة من أي نوع، يُعاقب بالسجن لمدة لا تزيد على عشر سنوات أو بغرامة لا تزيد على مليون ريال، أو بهما معًا.”

وهذا النص يوضح أن العقوبة تختلف باختلاف جسامة الجريمة وتأثيرها، وقد يجمع القاضي بين السجن والغرامة معًا بحسب تقدير الحالة.

المساءلة التأديبية والإدارية

بالإضافة إلى العقوبات الجزائية، قد يُحال الموظف المتهم إلى المساءلة التأديبية وقد تشمل العقوبات الإدارية:

  • الفصل من الوظيفة
  • الحرمان من الترقيات.
  • الإعفاء من المناصب القيادية.
  • الإحالة للتقاعد المبكر.
  •  مصادرة الأموال والمكتسبات غير المشروعة:

إذا ثبت أن الموظف حصل على منافع أو أموال من خلال استغلال النفوذ، فإنه يُحكم بمصادرتها لصالح الدولة، استنادًا إلى أحكام نظام مكافحة غسل الأموال ونظام مكافحة الرشوة.

  • المنع من تولي الوظائف العامة:

في بعض الحالات، قد يتضمن الحكم النهائي منع المدان من شغل أي وظيفة عامة مستقبلاً، حمايةً للمصلحة العامة ومنعًا لتكرار الجريمة.

تُظهر هذه العقوبات أن عقوبة استغلال النفوذ الوظيفي في النظام السعودي ليست مجرد إجراء رادع، بل هي جزء من استراتيجية شاملة لتعزيز الحوكمة والنزاهة، وتحقيق أهداف رؤية المملكة 2030 في مكافحة الفساد.

إطلع أيضا على نظام مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب في السعودية: دليلك لفهم النظام وأبرز التعديلات 2025

إجراءات التحقيق في قضايا استغلال النفوذ

تبدأ الإجراءات عادة بتقديم بلاغ إلى هيئة الرقابة ومكافحة الفساد، التي تتولى:

  • جمع المعلومات والأدلة.
  • استدعاء المشتبه بهم والتحقيق معهم.
  •  رفع الأمر إلى النيابة العامة لاستكمال التحقيقات وفقًا لـ نظام الإجراءات الجزائية.
  •  إحالة القضية إلى المحكمة المختصة، وعادة ما تكون المحكمة الجزائية.

دور هيئة الرقابة ومكافحة الفساد في الضبط والمتابعة

دور هيئة الرقابة ومكافحة الفساد في الضبط والمتابعة
دور هيئة الرقابة ومكافحة الفساد في الضبط والمتابعة

تلعب هيئة الرقابة ومكافحة الفساد (نزاهة) دورًا محوريًا في:

  • تلقي البلاغات عن قضايا الفساد.
  • فتح تحقيقات سرية وموسعة.
  • التعاون مع الجهات القضائية والأمنية.
  • رفع تقارير سنوية لولاة الأمر.

ويأتي دور الهيئة تنفيذًا لتوجيهات خادم الحرمين الشريفين وولي العهد، في مكافحة الفساد بكافة صوره، وتطبيق مبدأ “لا أحد فوق النظام”.

سبل الوقاية والتوعية بمخاطر استغلال النفوذ

تولي المملكة  أهمية كبيرة للوقاية من جريمة استغلال النفوذ الوظيفي، إدراكًا لما لها من آثار سلبية على الشفافية والثقة في المؤسسات العامة. وإليك أبرز جهود المملكة في هذا الشأن:

  •  تعزيز الوعي النظامي لدى الموظفين:

تقوم هيئة الرقابة ومكافحة الفساد (نزاهة) بتنظيم دورات تدريبية مستمرة للموظفين الحكوميين حول الأنظمة ذات العلاقة، مثل نظام الخدمة المدنية، ونظام مكافحة الرشوة، بهدف تعريفهم بحدود سلطاتهم، وخطورة إساءة استخدامها، والعواقب النظامية لذلك.

  •  التثقيف المجتمعي والإعلامي؛

تلعب وسائل الإعلامدورًا مهمًا في التوعية بمخاطر استغلال النفوذ الوظيفي، وذلك من خلال الحملات الإعلامية التي توضح العقوبات والمخاطر المرتبطة بالجريمة، وتبرز أهمية الإبلاغ عن أي تجاوزات.

  • الحوكمة والرقابة الداخلية في الجهات الحكومية:

تم تطوير أدوات الرقابة الداخلية، وتكليف وحدات المراجعة والحوكمة بمراقبة الأداء الإداري، ورفع تقارير دورية لرصد أي مؤشرات استغلال للسلطة أو إساءة استخدام النفوذ الوظيفي.

تؤكد هذه الجهود المتكاملة أن عقوبة استغلال النفوذ الوظيفي في النظام السعودي ليست هي الوسيلة الوحيدة للمواجهة، بل تسبقها منظومة متكاملة من الوقاية والتوعية تسعى للحد من الجريمة قبل وقوعها.

يتضح من خلال ما تقدم أن عقوبة استغلال النفوذ الوظيفي في النظام السعودي تمثل أداة فاعلة في تعزيز نزاهة القطاع العام وحماية المال العام. وقد أظهر المقال مدى صرامة الأنظمة السعودية تجاه هذه الجريمة، من خلال استعراض تعريفها، وأركانها، والأنظمة التي تجرمها، والعقوبات التي تُفرض على مرتكبيها، ودور الجهات المختصة في مكافحتها.

وتُعد جهود المملكة في هذا السياق نموذجًا إقليميًا متقدمًا في محاربة الفساد وتحقيق مبادئ العدالة والشفافية، بما يعزز الثقة في المؤسسات ويكرّس مبدأ تكافؤ الفرص.

قم بتقييم المقالة

لا توجد تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *