يُعد الفرق بين التحكيم والوساطة في النظام السعودي من أهم الموضوعات التي تشغل اهتمام المتعاملين في مجالات التجارة والاستثمار داخل المملكة، نظرًا لأن النظام السعودي تبنّى حلولًا حديثة لتسوية المنازعات خارج المحاكم، تماشيًا مع التطور الاقتصادي ودعم بيئة الأعمال. وتمثل هذه الوسائل البديلة ضمانًا للسرعة والسرية والمرونة في حل النزاعات، دون الإخلال بحقوق الأطراف أو المساس بمتطلبات العدالة.
وفي هذا المقال سنتناول بتفصيل شامل الفرق بين التحكيم والوساطة في النظام السعودي من حيث التعريفات والمصادر النظامية والإجراءات والأثر التنفيذي والسرية والتكلفة ودور القضاء، مع مقارنة عملية توضح متى يُفضل اللجوء إلى التحكيم ومتى تكون الوساطة أنسب، استنادًا إلى النصوص النظامية والممارسات المؤسسية في المملكة.
تعريف التحكيم ومصدره النظامي في السعودية
يُعرّف التحكيم بأنه وسيلة نظامية لحل النزاعات يُحال بموجبها الخلاف إلى طرف ثالث محاي يصدر قرارًا ملزمًا للطرفين.
وقد نظّم نظام التحكيم السعودي الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/34) لعام 1433هـ هذه العملية، محددًا شروط اتفاق التحكيم وتعيين المحكمين وإجراءات إصدار الحكم وتنفيذه.
من أبرز السمات النظامية للتحكيم في السعودية:
- وجوب وجود اتفاق مكتوب بين الأطراف.
- استقلالية إجراءات التحكيم عن القضاء
- خضوع حكم التحكيم للتنفيذ بعد تذييله بأمر من المحكمة المختصة وفق نظام التنفيذ.
وبذلك يُعتبر التحكيم وسيلة رسمية بديلة للقضاء تتيح للأطراف سرعة الفصل في النزاع ضمن إطار نظامي معتمد يضمن العدالة والحياد.
تعريف الوساطة ونطاق تطبيقها في النظام السعودي
الوساطة هي عملية تفاوضية ودية يقوم فيها وسيط محايد بمساعدة الأطراف للوصول إلى تسوية ترضي الطرفين، دون إصدار حكم ملزم من جهة ثالثة.
وقد بدأت السعودية بتقنين الوساطة تدريجيًا عبر عدة مسارات نظامية، من أبرزها:
نظام الوساطة العقارية
الصادر عام 2022 الذي نظّم العلاقة بين الوسطاء والأطراف وعرّف الضوابط والإجراءات.
اتفاقية سنغافورة الدولية
لتسوية المنازعات عبر الوساطة التي انضمت إليها المملكة عام 2023 لتتيح تنفيذ اتفاقات الوساطة الدولية داخل الأراضي السعودية.
وتعد الوساطة من الوسائل التي تشجعها المملكة لكونها تقلل من تراكم القضايا وتدعم ثقافة التسوية الودية وتنسجم مع قيم الشريعة الإسلامية في الصلح والإصلاح بين الناس.
الفرق بين التحكيم والوساطة في النظام السعودي

يظهر الفرق بين التحكيم والوساطة في النظام السعودي بوضوح عند مقارنة إجراءات كلا منهما كالآتي:
| التحكيم | الوساطة |
| يتبع منهجًا نظاميًا منظمًا ،حيث يتم تحديد هيئة التحكيم، تبادل المذكرات، سماع المرافعات، وإصدار حكم مكتوب نهائي. | الوساطة أكثر مرونة حيث تركز على جلسات تفاوضية غير رسمية بإشراف وسيط معتمد يسعى لتقريب وجهات النظر دون إلزام قانوني. |
وبذلك فالتحكيم إذًا يشبه القضاء من حيث الصيغة الرسمية، بينما الوساطة تشبه الصلح الودي ،لذا فالوساطة مناسبة للنزاعات ذات الطبيعة المستمرة والعلاقات التجارية الطويلة، والتحكيم مناسبًا للنزاعات التي تحتاج إلى قرار ملزم ونهائي.
الفرق في الأثر التنفيذي بين حكم التحكيم واتفاق الوساطة
من أهم الفروقات بين التحكيم والوساطة في النظام السعودي أن حكم التحكيم يُعد سندًا تنفيذيًا بموجب المادة رقم (٩) من نظام التنفيذ السعودي، متى تم تذييله بأمر تنفيذ من المحكمة المختصة.
أما اتفاق الوساطة، فيكون ملزمًا فقط إذا تم توثيقه أو اعتماده قضائيًا، أو إذا كان اتفاق وساطة دوليًّا تنطبق عليه اتفاقية سنغافورة فيتم تنفيذه مباشرة داخل المملكة وفق الآليات المحددة.
إذًا، التحكيم يؤدي إلى حكم نهائي واجب التنفيذ، بينما الوساطة تُنتج اتفاقًا يعتمد على رضا الأطراف ويتحول إلى سند تنفيذي بعد المصادقة.
تعرف أيضا على التحكيم التجاري في السعودية : الخطوات والإجراءات
السرية والخصوصية في إجراءات التحكيم والوساطة داخل المملكة
تتميز الوساطة في النظام السعودي بدرجة عالية من السرية؛ حيث تُحاط جلسات الوساطة بالمحافظة التامة على خصوصية المعلومات المتبادلة بين الأطراف.
أما التحكيم فيتسم بالمرونة من حيث السرية، إذ يمكن الاتفاق بين الأطراف على جعل الجلسات والمذكرات سرية.
وتهدف الأنظمة السعودية إلى تعزيز هذه السرية باعتبارها ركيزة لبناء الثقة في الوسائل البديلة لتسوية النزاعات، خصوصًا في القضايا التجارية والاستثمارية الحساسة.
الفرق في التكلفة والمدة الزمنية بين التحكيم والوساطة
تعد التكلفة والمدة الزمنية من أبرز أوجه الفرق بين التحكيم والوساطة في النظام السعودي ، ويمكن توضيح الاختلافات في التكلفة والمدة كالآتي:
| التحكيم | الوساطة |
| يتضمن أتعاب المحكمين ورسوم المؤسسة التحكيمية ومصاريف إضافية، لكنه يبقى أقل كلفة من التقاضي الطويل أمام المحاكم. | أقل تكلفة وأسرع من التحكيم؛ لأنها لا تحتاج إلى جلسات مطوّلة أو مرافعات معقدة. |
| عادة تنجز خلال أسابيع، في حين يستغرق التحكيم من عدة أشهر إلى سنة تبعا لتعقيد القضية، مما يجعل اختيار الوسيلة مرتبطًا بمدى رغبة الأطراف في السرعة أو في الإلزامية. |
دور القضاء في التحكيم مقابل الوساطة في السعودية
على الرغم من الفروقات بين التحكيم والوساطة في النظام السعودي يلعب القضاء السعودي دورا مكملا للطريقتين كالآتي:
أولًا في التحكيم
يراقب القضاء صحة اتفاق التحكيم ويصدر أوامر التنفيذ، كما يحق للأطراف طلب إبطال حكم التحكيم في حالات محددة نص عليها النظام.
ثانيًا في الوساطة
يكون دور القضاء داعمًا فقط، حيث يمكن للمحكمة إحالة الأطراف إلى الوساطة قبل الفصل، كما تعتمد المحكمة اتفاق الوساطة لتحويله إلى سند تنفيذي.
وهذا التوازن يحقق الرقابة النظامية دون المساس بمبدأ الاستقلال في التحكيم والوساطة.
المؤسسات المعتمدة للتحكيم والوساطة في السعودية
من أبرز الجهات التي تنظم التحكيم والوساطة في المملكة:
المركز السعودي للتحكيم التجاري
الذي يقدم خدمات تحكيم ووساطة احترافية وفق المعايير الدولية.
هيئة العامة للعقار
من خلال تنظيم الوساطة العقارية وضمان التزام الوسطاء بالضوابط النظامية.
مراكز المصالحة والوساطة
المعتمدة من وزارة العدل التي تقدم خدمات تسوية النزاعات الأسرية والتجارية.
الجدير بالذكر أن وجود هذه المؤسسات يعزز الثقة ويضمن حياد الإجراءات وجودة الأداء المهني للوسطاء والمحكمين.
متى تختار التحكيم ومتى تختار الوساطة؟
الفرق بين التحكيم والوساطة في النظام السعودي يظهر عمليًا في اختيار الوقت والهدف ، وإليك الحالات المناسبة لكل نوع:
- اختر التحكيم إذا كنت تحتاج إلى قرار نهائي ملزم وسند تنفيذ
- اختر الوساطة إذا كان الهدف الحفاظ على العلاقة الودية وخفض التكاليف والسرعة في الحل.
الجدير بالذكر أنه في بعض الحالات يُنصح باتباع نموذج وساطة ثم تحكيم بحيث تبدأ العملية بالتفاوض ثم تنتقل إلى التحكيم عند فشل التسوية.
نصائح لصياغة بنود التحكيم والوساطة في العقود السعودية

لضمان فاعلية البنود، يجب مراعاة ما يلي:
- تحديد جهة التحكيم أو الوساطة بدقة (مثل المركز السعودي للتحكيم التجاري).
- بيان عدد المحكمين أو الوسيط وطريقة تعيينهم.
- تحديد مكان التحكيم أو الوساطة ولغة الإجراءات.
- النص على السرية وتنفيذ الاتفاق وفق نظام التنفيذ السعودي.
- الالتزام بمرجعية النظام السعودي وعدم مخالفة الشريعة الإسلامية.
اتباع هذه الإرشادات يعزز سلامة العقود ويضمن قابلية التنفيذ داخل المملكة دون نزاع إجرائي لاحق.
إطلع على خدمات صياغة العقود في السعودية
إن الفرق بين التحكيم والوساطة في النظام السعودي يمثل جوهر تطور العدالة البديلة في المملكة، ويعكس حرص المشرّع السعودي على تيسير سبل حل النزاعات بطرق مرنة وعادلة تحافظ على العلاقات التجارية والاجتماعية، وتحد من الضغط على المحاكم ،وقد أوضح المقال أن التحكيم يمنح حلاً نظاميًا ملزمًا، بينما الوساطة تركز على التسوية الودية وحفظ العلاقات ، ومع دعم المملكة لهذه الأساليب من خلال الأنظمة والمؤسسات المعتمدة، أصبحت الوسائل البديلة اليوم ركيزة رئيسية في منظومة العدالة السعودية الحديثة.
الأسئلة الشائعة
هل حكم التحكيم ينفَذ مباشرة في السعودية؟
نعم، بعد تذييله بأمر تنفيذ من المحكمة المختصة وفق نظام التنفيذ.
هل اتفاق الوساطة الدولي ينفذ في السعودية؟
نعم، بفضل انضمام المملكة إلى اتفاقية سنغافورة لتسوية اتفاقات الوساطة الدولية.
أيهما أسرع التحكيم أم الوساطة؟
الوساطة أسرع وأقل تكلفة، بينما التحكيم أكثر رسمية وإلزاما
هل يمكن الجمع بين الوساطة والتحكيم في عقد واحد؟
نعم، بشرط توضيح الترتيب والجهة والمدة في نص العقد.
هل هناك وساطة معتمدة في المجال العقاري؟
نعم، وفق نظام الوساطة العقارية ولوائحه التنفيذية الصادرة عام 2022.

لا توجد تعليقات