نظام الانضباط الوظيفي هو أحد الركائز الأساسية التي تضمن حسن سير الأداء في القطاع الحكومي في المملكة ، حيث يُعد أداة تشريعية فاعلة في تنظيم سلوك الموظفين، وضبط الأداء المهني، وتحقيق العدالة والانضباط داخل الجهات الحكومية ، و تتجلى أهمية هذا النظام في كونه يحفظ التوازن بين الحقوق والواجبات، ويحد من التجاوزات التي قد تخل بالوظيفة العامة أو تمس نزاهتها، مما يعزز كفاءة الجهاز الإداري ويرفع من مستوى الثقة في المؤسسات العامة.
في هذا المقال، سنستعرض الجوانب المختلفة لنظام الانضباط كما سنناقش الفرق بينه وبين نظام تأديب الموظفين القديم، وكذلك الفرق بينه وبين نظام الخدمة المدنية و سنوضح أيضًا أهداف النظام، وآليات التحقيق، وأنواع العقوبات، وأثرها على المسار الوظيفي للموظف، وكذلك حقوق الموظف أثناء التحقيق، وسنُحلل مدى انسجام هذه المنظومة مع رؤية المملكة 2030 في تحقيق الشفافية وتعزيز الأداء الحكومي.
نظام الانضباط الوظيفي
صدر نظام الانضباط الوظيفي في 1443/2/8 هـ بموجب المرسوم الملكي رقم (م/18) بتاريخ 22/1/1443هـ، ليُشكّل إطارًا تشريعيًا حديثًا يهدف إلى معالجة أوجه القصور في الأنظمة السابقة، وتفعيل مبادئ المساءلة والعدالة في الوظيفة العامة
يُطبق هذا النظام على جميع الموظفين المدنيين العاملين في الأجهزة الحكومية، ويستثني العسكريين، الذين يخضعون لأنظمة تأديبية خاصة.
يعكس النظام توجهات الدولة نحو تحديث التشريعات الإدارية، ومواءمتها مع مستهدفات رؤية 2030، حيث يُركز على تعزيز كفاءة الموظف الحكومي، ويمنح الجهات الرقابية والتنفيذية الأدوات اللازمة لضبط المخالفات ومعالجتها بطريقة عادلة وسريعة.
نظام تأديب الموظفين
قبل صدور نظام الانضباط الوظيفي، كان الموظفون الحكوميون يخضعون لنظام تأديب الموظفين الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/7) بتاريخ 1391ه و الذي عالج المخالفات التأديبية من خلال مجلس تأديبي يُشكل من جهات متعددة
ومع مرور الوقت، اتضح وجود عدد من التحديات في تطبيق ذلك النظام، مثل بطء الإجراءات، وعدم وضوح بعض المفاهيم.
ولذلك جاء نظام الانضباط الوظيفي الجديد ليعالج تلك الإشكاليات من خلال تبسيط الإجراءات، وتوسيع صلاحيات الجهات الإدارية، وتحقيق سرعة البت في القضايا التأديبية، وتقنين الحقوق والواجبات بشكل أدق.
قد يهمك التعرف على حقوق الموظف عند عدم تجديد العقد في نظام العمل السعودي
الفرق بين نظام الانضباط الوظيفي ونظام الخدمة المدنية
نظام الخدمة المدنية يُعد المرجعية العامة لكافة شؤون التوظيف، مثل التعيين، الترقيات، الرواتب، والإجازات
أما نظام الانضباط الوظيفي، فهو يعالج جانبًا مختلفًا، يتعلق بسلوك الموظف والتزامه بالمهام الموكلة إليه، ويُركز على المساءلة التأديبية في حال الإخلال بواجباته.
من خلال هذا التمايز، تتكامل الأنظمة لتحقيق منظومة إدارية فعالة، حيث يحدد أحدهما الإطار العام للتوظيف، بينما يُحكم الآخر عملية الضبط والمساءلة المهنية.
أهداف نظام الانضباط الوظيفي

يسعى نظام الانضباط الوظيفي إلى تحقيق مجموعة من الأهداف الجوهرية ، ومن أبرزها الآتي:
- تعزيز الانضباط داخل بيئة العمل:
النظام يحدد بشكل واضح ما يُعد سلوكًا وظيفيًا مقبولًا وما يُعد مخالفة، مما يساهم في ضبط تصرفات الموظفين، وتوجيههم نحو الالتزام بالمهام الموكلة إليهم، ومنع التسيب أو الإهمال
- تحقيق العدالة في المساءلة:
النظام يضمن معاملة الموظفين بعدالة، حيث يتم التحقيق معهم وفقًا لإجراءات نظامية تضمن لهم حق الدفاع والتظلم. كما يميز بين المخالفات البسيطة والجسيمة، ويضع لكل منها عقوبات مناسبة.
- رفع كفاءة الأداء المؤسسي:
يسهم النظام في بناء بيئة عمل عالية الإنتاجية والانضباط. في تطبيق النظام يحسن جودة الخدمات الحكومية ويقلل من مظاهر التسيب أو ضعف الأداء.
- ترسيخ مبادئ النزاهة والشفافية:
النظام يسهم في مكافحة الفساد الوظيفي، من خلال تمكين هيئة الرقابة ومكافحة الفساد من مراقبة الأداء الإداري، والتدخل في حالات التجاوز أو استغلال المنصب.
- تسريع الإجراءات التأديبية:
على عكس النظام القديم الذي كان بطيئًا في البت بالمخالفات، جاء هذا النظام ليقلص مدة التحقيق والتأديب، مما يمنع تراكم القضايا ويُعزز فعالية الإجراءات
- المواءمة مع التشريعات الحديثة:
النظام يتسق مع الأنظمة الإدارية واللوائح الحديثة، مثل نظام الموارد البشرية ولائحة السلوك الوظيفي، مما يجعله جزءًا من منظومة متكاملة تواكب التحول الرقمي والإداري في المملكة.
- الحماية القانونية للموظف العام:
رغم أنه نظام تأديبي، إلا أن من أهدافه أيضًا حماية الموظف من الاتهامات الكيدية أو الإجراءات التعسفية، حيث يتطلب النظام تحقيقًا محايدًا، مع حق التظلم والاعتراض.
تعريف المخالفة التأديبية
نص النظام في المادة (1) على تعريف المخالفة التأديبية بأنها: “كل فعل أو امتناع عن فعل يقع من الموظف ويشكل إخلالًا بواجباته الوظيفية أو خروجًا على مقتضيات الوظيفة العامة”.
هذا التعريف يُغطي نطاقًا واسعًا من السلوكيات، بدءًا من التقصير في أداء المهام، وحتى السلوك غير المهني أو التصرفات المخالفة للقيم الإدارية.
إجراءات التحقيق الإداري
يُشترط أن يكون التحقيق مكتوبًا، وسريًا، ويُجرى بواسطة لجنة محايدة يُشكّلها الرئيس المختص ويتضمن التحقيق الخطوات التالية:
- اخطار الموظف بالمخالفة المنسوبة إليه
- منحه مهلة للرد على الاتهام
- إمكانية تمثيله بمحامٍ أو وكيل
- توثيق أقواله ومحاضر التحقيق
ويُمنع توقيع أي عقوبة على الموظف قبل إتمام التحقيق الكامل، لضمان العدالة.
تعرف أيضا على إجراءات فصل الموظف بعد السجن في السعودية
العقوبات التأديبية وأنواعها

نصت المادة رقم (٦) من نظام الانضباط الوظيفي على العقوبات التأديبية للمخالفات المختلفة وهى كالآتي :
- الإنذار: في حال المخالفات البسيطة.
- الحسم من الراتب: بنسبة لا تتجاوز نصف الراتب الشهري.
- الحرمان من العلاوة السنوية لمرة واحدة.
- عدم الترقية: لمدة لا تزيد عن سنتين.
- الفصل من الخدمة: في المخالفات الجسيمة أو المتكررة.
الجهات المختصة بالتأديب
تُمارس الجهة الحكومية التي يتبع لها الموظف صلاحية التحقيق والتأديب من خلال لجنة داخلية، ويتم رفع العقوبات الجسيمة إلى جهة إدارية أعلى، وقد تُحال القضايا المرتبطة بالنزاهة إلى هيئة الرقابة ومكافحة الفساد.
دور هيئة الرقابة ومكافحة الفساد
تلعب الهيئة دورًا محوريًا في الكشف عن المخالفات، لا سيما تلك المتعلقة بسوء استخدام السلطة، أو إساءة الأمانة، أو الفساد المالي. تُحال القضايا من الهيئة إلى الجهة المعنية لاتخاذ اللازم، وفقًا لما تقتضيه الأنظمة.
آلية الاعتراض على العقوبات التأديبية
يحق للموظف التظلم أمام لجنة التظلمات الإدارية خلال 30 يومًا من تاريخ العلم بالقرار، أو التوجه لديوان المظالم خلال 60 يومًا. ويترتب على ذلك مراجعة القرار من قبل جهة مستقلة، وهو ما يُعزز مبادئ العدالة.
تقادم الدعوى التأديبية
نصت المادة (20) من نظام الانضباط الوظيفي على سقوط المخالفة أو الدعوى في الحالات الآتية :
- الوفاة
- العجز الصحي
- مرور سنتين على المخالفة دون اتخاذ أي إجراء أو مرور سنتين من تاريخ اتخاذ آخر إجراء.
أثر العقوبات على الترقيات والعلاوات
يؤثر توقيع بعض العقوبات – مثل عدم الترقية أو الحسم من الراتب – على المسار المهني للموظف كما قد يُمنع من الترقية أو العلاوة لفترة محددة، ويُسجل ذلك في ملفه الوظيفي.
حقوق الموظف أثناء التحقيق الإداري
يحمي نظام الانضباط الوظيفي الموظف من التعسف من خلال عدد من الضمانات، منها:
- تمكينه من الدفاع عن نفسه
- الحق في توكيل محامٍ أو ممثل قانوني
- حق الاطلاع على ملفه
- الاعتراض على نتائج التحقيق
واجبات الموظف العام وسلوكه المهني
يشترط النظام التزام الموظف بالأخلاقيات العامة والمهام التالية:
- تأدية العمل بدقة وأمانة
- الحفاظ على أسرار العمل
- احترام التسلسل الإداري
- الامتناع عن إساءة استخدام السلطة
إطلع أيضا على حقوق وواجبات الموظف العام في النظام السعودي
تطبيق النظام في القطاع الحكومي
يُطبق النظام على جميع الجهات الحكومية التي تعمل وفق نظام الخدمة المدنية، بما فيها الوزارات، والهيئات، والمؤسسات الحكومية ذات الطابع الإداري. كما يُعد مرجعًا أساسيًا في لجان التحقيق والمحاسبة.
أثر النظام في تعزيز النزاهة والشفافية
يتماشى النظام مع أهداف رؤية 2030 في تعزيز الشفافية، وتحقيق الكفاءة المؤسسية، ورفع مستوى ثقة المواطن في الأجهزة الحكومية. وقد ساهم تطبيقه في تقليص التجاوزات، وتسريع المحاسبة، وتطوير بيئة العمل.
خاتمة
في ختام هذا المقال، تبيّن أن نظام الانضباط الوظيفي يمثل أحد أهم الأدوات التنظيمية لتحديث بيئة العمل في القطاع الحكومي السعودي، حيث يهدف إلى تعزيز الانضباط، وضمان المساءلة، وتحقيق الكفاءة المؤسسية
وفي هذا المقال تناولنا أهداف النظام، والفروق بينه وبين نظام تأديب الموظفين وكذلك الفرق بينه وبين نظام الخدمة المدنية و أنواع العقوبات التأديبية وجهات تنفيذها مع الاستشهاد بالنصوص النظامية كما سلطنا الضوء على إجراءات التحقيق الإداري وحقوق الموظف أثناء التحقيق وآلية الاعتراض ودور هيئة الرقابة ومكافحة الفساد وغيرها من الأمور المتعلقة بالانضباط الوظيفي
ويظل الالتزام بأحكام النظام ركيزة أساسية في بناء جهاز إداري فعّال يدعم التحول المؤسسي، ويُسهم في تحقيق تطلعات المملكة نحو التميز الإداري
لا توجد تعليقات