نظام مكافحة غسل الأموال يُعد من أبرز الأنظمة التي تبنتها المملكة لمواجهة الجرائم المالية التي تُهدد الاقتصاد الوطني والأمن العام، وفي مقدمتها جرائم غسل الأموال وتمويل الإرهاب ويعكس هذا النظام التزام المملكة بالمعايير الدولية لتعزيز الشفافية، وحماية النظام المالي من الاستغلال في أنشطة غير مشروعة.
يتناول هذا المقال نظرة شاملة حول نظام مكافحة غسل الأموال في المملكة، بدءًا من تعريفه، وأهدافه، والجهات المسؤولة عن تطبيقه، وصولاً إلى خطوات الكشف عن هذه الجرائم، والعقوبات المترتبة على مرتكبيها. كما يناقش المقال أبرز التحديات التي تواجه التطبيق، ومراحل تنفيذ النظام داخل المؤسسات، والعلاقة الوثيقة بين غسل الأموال والجرائم المنظمة، إضافة إلى ذلك، يستعرض المقال دور المملكة في التعاون الدولي لمكافحة هذه الجريمة، والتأثيرات السلبية لغسل الأموال على الاقتصاد الوطني.
ما هو نظام مكافحة غسل الأموال؟
يُعد نظام مكافحة غسل الأموال في المملكة العربية السعودية أحد الركائز التشريعية الأساسية لحماية النظام المالي والاقتصاد الوطني من الجرائم المالية وقد صدر النظام الحالي بموجب المرسوم الملكي رقم (م/20) بتاريخ 5 صفر 1439هـ (25 أكتوبر 2017م)، ليحل محل النظام السابق الصادر في أبريل 2012م
جاء النظام الجديد متوافقاً مع المعايير الدولية التي وضعتها مجموعة العمل المالي (FATF)، ويهدف إلى منع استخدام القطاع المالي وغير المالي في عمليات غسل الأموال أو تمويل الإرهاب.
وقد تضمّن النظام عدداً من الأحكام الهامة، أبرزها:
التوسع في الجهات الخاضعة لأحكامه، وتطبيق مبدأ العناية الواجبة تجاه العملاء، وتكثيف الرقابة الداخلية، وتحديد عقوبات صارمة تشمل السجن والغرامات المالية
كما يعزز النظام التعاون الدولي وتبادل المعلومات بين الجهات المختصة، ويمنح وحدة التحريات المالية صلاحيات موسعة في تحليل المعاملات المشبوهة، مما يعكس التزام المملكة الجاد بمكافحة الجريمة المنظمة وتعزيز الشفافية المالية.
أهداف نظام مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب في السعودية
يعد الهدف الأساسي ل نظام مكافحة غسل الأموال هو حماية نزاهة النظام المالي. يشمل ذلك منع استخدام النظام المالي في إخفاء الأموال غير المشروعة، وتقليل مخاطر تمويل الأنشطة الإرهابية، وضمان التزام المملكة بالمعايير الدولية مثل تلك التي تضعها مجموعة العمل المالي (FATF)
كما يسهم النظام في تعزيز الشفافية المالية وتحسين سمعة المملكة في الأسواق العالمية ويمكن تلخيص أهداف النظام الرئيسية في النقاط الآتية:
- حماية الاقتصاد الوطني من الجرائم المالية.
- تعزيز شفافية المعاملات المالية.
- الامتثال للمعايير الدولية لمكافحة غسل الأموال.
- مكافحة تمويل الإرهاب.
- تطوير آليات فعّالة لمراقبة وتوثيق المعاملات المالية المشبوهة.
الجهات المسؤولة عن تطبيق نظام مكافحة غسل الأموال في السعودية

تتوزع مسؤولية تطبيق نظام مكافحة غسل الأموال في المملكة بين عدد من الجهات الحكومية والرقابية المتخصصة، التي تعمل بشكل تكاملي لضمان فعالية النظام والحد من المخاطر المرتبطة بالجرائم المالية ومن أبرز هذه الجهات:
اللجنة الدائمة لمكافحة غسل الأموال:
تشرف على تنسيق السياسات الوطنية في مجال مكافحة غسل الأموال، وتضم في عضويتها ممثلين عن عدة جهات حكومية.
الإدارة العامة للتحريات المالية السعودية (SAFIU)
تُعد الجهة المركزية المسؤولة عن تلقي وتحليل البلاغات حول المعاملات المالية المشبوهة من المؤسسات المالية والمهن غير المالية، وتقوم بإحالتها إلى الجهات المختصة للتحقيق.
البنك المركزي السعودي (ساما)
يُعد الجهة الرقابية على المؤسسات المالية، مثل البنوك وشركات التأمين وشركات التمويل، ويُلزمها بتطبيق إجراءات العناية الواجبة، والرقابة الداخلية، والإبلاغ عن الأنشطة المشبوهة.
هيئة السوق المالية (CMA)
تُراقب أنشطة السوق المالية وتفرض متطلبات الامتثال على الشركات المدرجة والأشخاص المرخص لهم في مجال الأوراق المالية.
النيابة العامة
تتولى التحقيق في قضايا غسل الأموال المشتبه بها، وتوجيه الاتهام وفقاً للنظام، وتقوم بالتنسيق مع الجهات الأمنية والقضائية.
الجهات الأمنية (مثل رئاسة أمن الدولة ووزارة الداخلية)
تشارك في تنفيذ العمليات الميدانية، والتحقيق في قضايا غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وضبط المتورطين.
هيئة الزكاة والضريبة والجمارك
تراقب الأنشطة المرتبطة بحركة الأموال عبر الحدود، والتحقق من التزام المؤسسات بالتشريعات ذات الصلة، وخاصة في مجال الإقرارات المالية والتصاريح الجمركية.
وزارة التجارة و وزارة العدل
تقومان برقابة المهن غير المالية والأعمال التجارية (مثل العقارات، المحاسبين، المحامين، والمجوهرات)، للتأكد من التزامها بإجراءات مكافحة غسل الأموال.
هذا التوزيع المتكامل للصلاحيات يضمن وجود منظومة رقابية فعالة، تعمل على الوقاية والكشف والمحاسبة، وفقًا لأفضل الممارسات الدولية.
تعرف على كيفية الإبلاغ عن غسيل الأموال في السعودية؟
خطوات الكشف عن عمليات غسل الأموال
تشمل الخطوات التحليلية للكشف عن غسل الأموال ما يلي: جمع وتحليل البيانات المالية، مراقبة الأنماط غير الاعتيادية في التحويلات، استخدام أنظمة الذكاء الاصطناعي لكشف المعاملات المريبة، والربط بين العملاء والمعاملات بناءً على مؤشرات محددة
على سبيل المثال: قد تشير التحويلات المتكررة لمبالغ كبيرة دون مبرر واضح إلى عمليات غسل أموال.
العقوبات المترتبة على مخالفة نظام مكافحة غسل الأموال في السعودية
تُعد جريمة غسل الأموال من الجرائم الخطيرة في المملكة ، وقد نص نظام مكافحة غسل الأموال على عقوبات صارمة بحق مرتكبيها، وهي كالتالي:
أولاً: العقوبات الأساسية
العقوبة الأساسية بحسب المادة (26) من نظام مكافحة غسل الأموال:
- السجن لمدة لا تقل عن سنتين ولا تتجاوز عشر سنوات، أو
- يعاقب المخالف بغرامة مالية قد تصل إلى خمسة ملايين ريال سعودي، بحسب ما تقرره الجهات المختصة بموجب الأنظمة المعمول بها
- أو كلتا العقوبتين معاً.
ثانياً: حالات تشديد العقوبة
وفقًا للمادة رقم (27):ترتفع العقوبات إلى:
- السجن من 3 سنوات إلى 15 سنة
- غرامة تصل إلى 7 ملايين ريال سعودي
- أو كلتا العقوبتين معاً
ويتم تطبيق العقوبة المشددة في الحالات الآتية:
- إذا كانت الجريمة من خلال جماعة إجرامية منظمة.
- إذا تم استخدام العنف أو الأسلحة.
- إذا استُغلت الوظيفة العامة أو النفوذ.
- إذا ارتبطت الجريمة بـ الاتجار بالبشر.
- إذا تم استغلال قاصر.
- إذا استُخدمت مؤسسة خيرية أو تعليمية أو اجتماعية لارتكاب الجريمة.
- وجود سجل جنائي سابق للجاني محليًا أو دوليًا.
ثالثاً: العقوبات الإضافية
هناك بعض العقوبات الإضافية وفقًا للمادة رقم (٢٨) من نظام مكافحة غسل الأموال في السعودية ،وهي:
- منع السفر للمواطن لفترة مساوية لمدة السجن.
- الإبعاد لغير السعودي بعد تنفيذ العقوبة وعدم السماح له بالعودة.
رابعاً: تخفيف العقوبة
وفقًا للمادة رقم (٣٠) من نظام مكافحة غسل الأموال ،إذا بادر الجاني بالإبلاغ عن الجريمة قبل علم السلطات، أو ساهم في القبض على آخرين، يمكن تخفيف العقوبة إلى:
- السجن من سنة إلى 7 سنوات
- غرامة لا تزيد على 3 ملايين ريال،
- أو كليهما.
خامساً: عقوبات الأشخاص الاعتباريين (مثل الشركات)
نصت المادة رقم (٣١) نظام مكافحة غسل الأموال على العقوبات المقررة للأشخاص الاعتباريين ، وهي كالآتي:
- تُفرض غرامة مالية لا تقل عن ضعف قيمة الأموال المغسولة، وقد تصل إلى 50 مليون ريال، وفقًا لما نص عليه النظام السعودي لمكافحة غسل الأموال
- إيقاف النشاط أو إغلاق المقر أو تصفية الكيان حسب الحالة.
التحديات التي تواجه تطبيق نظام مكافحة غسل الأموال في السعودية
بالرغم من التطورات الكبيرة في التشريعات والرقابة ، هناك تحديات تواجه تطبيق النظام ،وإليك أبرز التحديات:
- تطور أساليب غسل الأموال:
المجرمون يطوّرون أساليب معقدة ومبتكرة باستخدام التكنولوجيا الحديثة مثل العملات الرقمية والمحافظ الإلكترونية
- الجرائم العابرة للحدود:
عمليات غسل الأموال كثيرًا ما تكون مرتبطة بشبكات دولية مما يتطلب تعاون دولي سريع وفعّال في تبادل المعلومات.
- كثرة القطاعات غير المالية:
بعض القطاعات مثل العقارات، الذهب، المجوهرات، وشركات الخدمات المهنية قد تُستخدم كوسائل لغسل الأموال.
- ضعف الإبلاغ من بعض الجهات:
بعض المؤسسات لا تقوم بالإبلاغ الكافي عن العمليات المشبوهة، إما لضعف التدريب أو الخوف من المسؤولية.
- التحديات التقنية وتحليل البيانات:
الحاجة إلى أنظمة تحليل بيانات متقدمة لاكتشاف الأنماط المشبوهة ومحدودية بعض الجهات في استخدام الذكاء الاصطناعي والتقنيات التحليلية المتطورة.
إطلع أيضا على جريمة غسيل الأموال في السعودية
مراحل تنفيذ نظام مكافحة غسل الأموال داخل المؤسسات السعودية

تنفيذ نظام مكافحة غسل الأموال في المؤسسات السعودية يمر بعدة مراحل رئيسية:
- التقييم الأولي للمخاطر:
تقوم المؤسسات بتحديد القطاعات أو العملاء ذوي المخاطر العالية.
- تطوير السياسات والإجراءات:
يتم إعداد سياسات مكتوبة تتماشى مع الأنظمة السعودية وتعليمات الجهات الرقابية.
- التدريب وبناء القدرات:
تدريب الموظفين على التعرف على المؤشرات الأولية لغسل الأموال والتصرف المناسب عند الاشتباه.
- التنفيذ الفعلي والمراقبة:
استخدام برامج إلكترونية لرصد العمليات وتحليل البيانات المالية.
- التقارير والتفاعل مع الجهات الرقابية:
تقديم تقارير الاشتباه إلى وحدة التحريات المالية وفق النماذج المعتمدة.
العلاقة بين غسل الأموال والجرائم المنظمة في المملكة
غالبًا ما ترتبط جرائم غسل الأموال في السعودية بجرائم مثل الاتجار بالمخدرات، والفساد، وجرائم التستر التجاري حيث يتم استخدام الأموال الناتجة عن هذه الجرائم في شراء أصول أو إنشاء شركات وهمية لغرض التمويه مما يجعل مكافحتها تتطلب تنسيقًا عالي المستوى بين الأجهزة الأمنية والمالية، والقضائية.
الاتفاقيات الدولية والتعاون السعودي في مكافحة غسل الأموال
انضمت السعودية إلى مجموعة العمل المالي (FATF) في يونيو 2019، لتصبح أول دولة عربية تنضم كعضو كامل العضوية كما أنها عضو في مجموعة العمل المالي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (MENAFATF)، وتشارك بفعالية في الاجتماعات وتبادل الخبرات والمعلومات مع الشركاء الدوليين.
قد يهمك معرفة العفو الملكي السعودي ١٤٤٦
تأثير غسل الأموال على الاقتصاد السعودي
تأثير غسل الأموال على الاقتصاد السعودي كبير وخطير، ويشمل عدة جوانب تؤثر على النمو والاستقرار، إليك أبرز التأثيرات:
- تقويض الثقة في النظام المالي:
يؤدي غسل الأموال إلى ضعف ثقة المستثمرين المحليين والدوليين في النظام المصرفي مما يشكّل تهديدًا لسمعة المملكة عالميًا في مجال الشفافية والنزاهة المالية.
- تشويه المنافسة الاقتصادية:
الشركات التي تغسل الأموال قد تبيع بأسعار غير واقعية لأنها لا تسعى للربح الحقيقي، بل لتصريف الأموال غير المشروعة مما يؤدي إلى إقصاء الشركات النظيفة من السوق أو تقليص أرباحها.
- ضعف فعالية السياسات المالية والنقدية:
التدفقات المالية غير المشروعة تؤدي إلى خلل في البيانات الاقتصادية الرسمية، ما يصعب على الحكومة وضع سياسات دقيقة
- جذب الجريمة المنظمة:
غسل الأموال مرتبط غالبًا بجرائم مثل الفساد، التهريب، وتجارة المخدرات
- خسائر في الإيرادات الضريبية:
الأنشطة غير المشروعة لا تخضع للضرائب، ما يؤدي إلى انخفاض الإيرادات الحكومية التي يمكن استخدامها في التنمية والخدمات.
- تقلبات مفاجئة في أسواق المال والعقار:
يتم استخدام غسل الأموال في شراء العقارات أو الأسهم بشكل غير طبيعي، مما يسبب فقاعات سوقية أو تشوه في قيم الأصول.
- صعوبة تحقيق مستهدفات رؤية السعودية 2030:
غسل الأموال يتناقض مع مبادئ الشفافية، الحوكمة، والاستثمار النظيف التي ترتكز عليها رؤية 2030
نظام مكافحة غسل الأموال في المملكة يمثل أحد الركائز الأساسية لحماية الاقتصاد الوطني من مخاطر الجرائم المالية وتمويل الإرهاب ،ومن خلال هذا المقال، تناولنا التعريف بهذا النظام وأهدافه، والجهات المسؤولة عن تطبيقه، إلى جانب استعراض الخطوات المتبعة للكشف عن عمليات غسل الأموال والعقوبات التي تترتب على مخالفة أحكامه ،
كما تطرقنا إلى أبرز التحديات التي تواجه تطبيق النظام، ومراحل تنفيذه داخل المؤسسات السعودية، إضافة إلى العلاقة بين غسل الأموال والجرائم المنظمة، وجهود المملكة في التعاون الدولي لمكافحة هذه الجريمة ، واختتمنا برصد التأثيرات السلبية لغسل الأموال على الاقتصاد السعودي، وأهمية تضافر الجهود للحد من هذه الظاهرة.
لا توجد تعليقات